عندما نفكر في التهديدات التي تواجه الأمن القومي الأمريكي، غالباً ما نركّز على الدول: روسيا، الصين، كوريا الشمالية، وإيران – وهي الجهات المعتادة في هذا السياق. ومع ذلك، فإن النهج الأكثر فاعلية في التصدي لهذه المخاطر لا يكمن في تصنيف الدول فحسب، بل في تقييم كيفية تهديدها للولايات المتحدة. ومن بين أخطر القدرات الفورية وأكثرها تدميراً: الهجمات السيبرانية المدعومة من دول، والتقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي.
التهديدات للأمن القومي – تتجاوز الصين وحدها
تُعدّ الصين من أولويات الكونغرس في السنوات الأخيرة، وقد أُحرز تقدم كبير في تسليط الضوء على التهديد الذي تمثله جمهورية الصين الشعبية. لكن هناك جهات أخرى لا تقل خطورة. وقد جاء في التقرير السنوي الأخير لتقييم التهديدات الصادر عن مجتمع الاستخبارات الأمريكية:"عدد من الجهات السيبرانية والاستخباراتية تستهدف ثرواتنا، وبُنانا التحتية الحيوية، والاتصالات، ووسائل الإعلام. وغالباً ما تحصل الجماعات غير الحكومية على دعم مباشر أو غير مباشر من دول مثل الصين، كمصادر للمعدات والمكونات الأولية لشبكات تهريب المخدرات."
ووفقاً لإحصائيات موقع Statista، تعرّضت الوكالات الحكومية الأمريكية لمعدل سنوي بلغ حوالي 44,261 هجوماً إلكترونياً بين عامي 2010 و2023، مع تسجيل الذروة في عام 2015 (إبان إدارة أوباما) بنحو 77,000 هجمة أو محاولة اختراق. ومنذ ذلك الحين، استقر المعدل عند نحو 33,000 سنوياً حتى عام 2023. إلا أن وكالة رويترز أفادت بأن عام 2024 شهد ارتفاعاً بنسبة 70%، ليصل عدد الهجمات إلى نحو 55,000.
وذكرت صحيفة The Daily Signal أن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق، كريستوفر راي، وخلال شهادته أمام الكونغرس، أشار إلى مجموعة القرصنة الصينية المعروفة باسم "فولت تايفون"، والتي حذرت منها وكالة الأمن السيبراني والبنية التحتية الأمريكية، نظراً لاختراقها البُنى التحتية الحيوية في البلاد، ومنها قطاعات الاتصالات، والطاقة، والمياه.
الذكاء الاصطناعي يعزّز التهديدات
يمثّل الذكاء الاصطناعي محفّزًا خطيرًا يزيد من الأثر التدميري للتقنيات الناشئة على الأمن القومي الأمريكي. وقد قيّمت إحدى اللجان الفرعية في مجلس النواب أن التطورات في هذا المجال، بيد خصوم أمريكا، ستشكّل تهديداً جدياً خلال العقد القادم. ومن التقنيات التي أُشير إليها: الحوسبة الكمومية، والطائرات غير المأهولة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والبيولوجيا التركيبية، والروبوتات المتقدمة، وتحرير الجينات.
ويمكن الجمع بين هذه التقنيات وتعزيزها عبر الذكاء الاصطناعي. تخيّل مثلاً أن يتم تطوير عامل بيولوجي معدَّل بواسطة الذكاء الاصطناعي، ثم يتم تحميله في طائرة بدون طيار مزودة بنظام رشّ ذكي، لتصيب ملايين الأشخاص. ويمكن للذكاء الاصطناعي توجيه الطائرة عبر مسار أقل احتمالًا للكشف، وتحديد أفضل أساليب التوزيع لتحقيق الانتشار الأوسع. وتعمل وزارة الأمن الداخلي الأمريكية على تطوير طرق للحد من هذه المخاطر.
الحرب الهجينة وعبث الذكاء الاصطناعي
في ساحات الحرب الهجينة، بات الذكاء الاصطناعي أداة مركزية في تعزيز المعلومات الاستراتيجية. وفي تعليق نشرته مؤسسة بروكنغز بعنوان: "كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على العلاقات الأمريكية – الصينية خلال السنوات الخمس القادمة؟"، أشار الكتّاب إلى أن المجتمع الأمريكي المفتوح يجعله أكثر عرضة لهجمات التضليل واستهداف الرأي العام.
وذكر المقال: "هناك تأثير مزدوج؛ الأول هو استخدام الذكاء الاصطناعي في الهجمات الخارجية التي تستهدف بثّ الفرقة داخل المجتمع الأمريكي. والثاني هو إضعاف الولايات المتحدة لأدواتها الدفاعية، إلى جانب التراجع في الرقابة على ابتكارات الذكاء الاصطناعي في القطاع الخاص."
لا شك أن الصين تحتل موقع الصدارة في استخدام الهجمات السيبرانية واستغلال التقنيات الناشئة – وخاصة الذكاء الاصطناعي – لتهديد الأمن القومي الأمريكي. ومع ذلك، فإن اقتصار التركيز على الصين فقط يُعدّ قصورًا في الرؤية، إذ أن هناك العديد من الجهات الأخرى الفاعلة في هذا المجال.
بقلم: ديف باترسون خبير في الشؤون العسكرية
تعليقات الزوار