حوكمة الذكاء الاصطناعي في الجنوب العالمي: تحويل المخاطر إلى فرص

يحمل الذكاء الاصطناعي إمكانيات كبيرة لتعزيز الكفاءة التشغيلية، وتطوير الخدمات المالية الشخصية، ودعم الشمول المالي في الدول النامية.

أثار إطلاق إرشادات حوكمة الذكاء الاصطناعي الجديدة من قبل هيئة الخدمات المالية الإندونيسية (OJK) في 29 أبريل 2025، نقاشات مهمة حول التحديات والفرص المرتبطة بتبني الذكاء الاصطناعي في القطاع المالي بالدول النامية.

هذا الإصدار يبعث برسالة واضحة من الهيئة، تشجع المصارف الإندونيسية على استخدام الذكاء الاصطناعي بفعالية من خلال توفير يقين تنظيمي واضح. ويأتي هذا في وقت يشهد فيه الجنوب العالمي تبنياً سريعاً لتقنيات الذكاء الاصطناعي في مؤسساته المالية.

ويملك الذكاء الاصطناعي إمكانيات هائلة لتحسين الكفاءة التشغيلية، وتقديم خدمات مالية مخصصة، ودعم الشمول المالي في الدول النامية. فقد أظهرت تطبيقات متعددة—مثل أتمتة عمليات منح القروض، وتحليل المخاطر القائم على البيانات، وخدمات العملاء التفاعلية—نتائج واعدة في خفض التكاليف التشغيلية وتوسيع نطاق الوصول المالي إلى الفئات غير المخدومة سابقاً.

لكن بالمقابل، يصاحب تطبيق الذكاء الاصطناعي مخاطر كبيرة، خاصة على صعيد خصوصية البيانات، والانحيازات الخوارزمية التي قد تُكرس التمييز الاجتماعي، ونقص الشفافية في اتخاذ القرار، إضافة إلى احتمال حدوث اضطرابات نظامية إذا لم يُشرف على الذكاء الاصطناعي بشكل محكم. لذا فإن إدارة هذه المخاطر تتطلب أطر حوكمة قوية ومتكاملة.

وفي هذا السياق، تبنت هيئة OJK في إندونيسيا نهجًا تنظيميًا استباقيًا يشمل أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وشفافية الخوارزميات، والمساءلة المؤسسية، ومرونة الأنظمة. وتعد هذه الخطوة مؤشرًا مهمًا على سعي إندونيسيا لمعالجة تحديات إدارة المخاطر، وقد تشكل نموذجًا ملهمًا لبقية دول الجنوب العالمي.

وقد حققت دول أخرى خطوات مهمة في هذا المجال. فالبرازيل طورت إطارًا تنظيميًا يركز على شفافية الخوارزميات وحماية المستهلك. أما الهند، فقد أطلقت استراتيجية وطنية شاملة للذكاء الاصطناعي ترتكز على الشمول الرقمي، والتمكين الاقتصادي، والرقابة الصارمة من قبل البنك المركزي. كما شرعت جنوب أفريقيا في تنفيذ إطار حوكمة يشمل المبادئ الأخلاقية وحماية البيانات.

مع ذلك، يواجه الجنوب العالمي تحديات ملموسة في تنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي، منها ضعف البنية التحتية الرقمية، ونقص الكفاءات البشرية، وغياب الأطر القانونية المتطورة. وتفاقم هذه التحديات هيمنة الشركات التكنولوجية الأجنبية، مما يخلق تبعية تكنولوجية ومخاطر اجتماعية، مثل فقدان الوظائف بسبب الأتمتة.

لمعالجة هذه الإشكاليات، لا بد من تعاون بين الحكومات والقطاع الخاص والجامعات والمجتمع المدني. ويعد إشراك المجتمع المدني في وضع السياسات أمراً أساسياً لضمان عدالة استخدام الذكاء الاصطناعي والحد من آثاره السلبية. كما يجب على دول الجنوب العالمي بناء استقلالها التكنولوجي للحد من الاعتماد على الخارج.

وعلى الصعيد الاستراتيجي، ينبغي أن تتبنى الدول النامية مقاربات تنظيمية مرنة، توازن بين الانفتاح على الابتكار العالمي وبين تكييف التقنيات مع التحديات المحلية، مع الالتزام الصارم بالقيم الأخلاقية، وحماية المستهلك، والعدالة الاجتماعية.

كما يشكل تبادل الخبرات بين الدول النامية خطوة حيوية نحو بناء منظومة ذكاء اصطناعي شاملة وعادلة ومستدامة. ويمكن أن تشمل هذه الجهود تنظيم منتديات بحثية مشتركة، ومنصات حوار بين صناع القرار، وحملات توعية عابرة للحدود، بمشاركة جميع الأطراف المعنية. ويجب أن تدعم هذه المبادرات تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي محلية تعالج التحديات الفعلية التي تواجه شعوب الجنوب العالمي.

تشكل توجيهات OJK الأخيرة تذكيرًا ودعوةً لجميع دول الجنوب العالمي لتوحيد جهودها في تعزيز قدراتها التنظيمية، لضمان أن يكون الذكاء الاصطناعي محفزاً للتنمية لا تهديداً لها.

تعليقات الزوار