مؤسسة غداً لإدارة المخاطر - ترجمة
لم تعد البنية التحتية الرقمية مجرد مكون تقني مساعد، بل أصبحت العمود الفقري الذي تعتمد عليه الدول في تسيير خدماتها الحيوية، من شبكات الطاقة إلى أنظمة الرواتب، مرورًا بإدارة الطوارئ والدفاع. ومع ازدياد اعتماد الحكومات على التكنولوجيا، تحوّلت الهجمات السيبرانية إلى تهديدات تمس الأمن القومي مباشرة.
من الرفاهية إلى الخطر
قبل عقد من الزمن، كان العالم الرقمي يدور حول الراحة: معاملات إلكترونية، أجهزة ذكية، ومكالمات فيديو. أما اليوم، فقد اندمجت هذه الأنظمة مع البنى التحتية الحيوية، ما يعني أن أي اختراق قد يشل دولة بأكملها. ويكفي التذكير بهجوم 2021 على خط أنابيب النفط الأميركي "كولونيال"، الذي أدى إلى أزمة وقود واسعة.
الهجمات تتزايد وتصبح أكثر ذكاءً
لم تعد التهديدات الكبرى تأتي عبر الصواريخ أو الجواسيس، بل عبر سطور من الشيفرة. تشير تقارير إلى أن متوسط تكلفة خرق البيانات عام 2023 بلغ 4.45 مليون دولار، مع تزايد وتيرة الهجمات ودقتها. وتُتهم دول كالصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية بشن عمليات سيبرانية مدروسة تستهدف البنية التحتية وسرقة معلومات حساسة.
سباق السيطرة الرقمية والتحكم بالموارد
ثمة علاقة متنامية بين السيطرة السيبرانية والوصول إلى الموارد، مثل الليثيوم والمعادن النادرة. هذا ما يدفع بعض الدول إلى إعادة صياغة سياساتها الخارجية والأمنية لضمان السيطرة على البنى الرقمية، التي أصبحت جزءًا من لعبة الجغرافيا السياسية.
دور معقد للقطاع الخاص
المفارقة أن جزءاً كبيراً من البنية التحتية الرقمية لا تملكه الحكومات بل شركات خاصة، ما يطرح تساؤلات حساسة: ماذا يحدث إذا رصدت شركة تقنية اختراقاً في شبكة حكومية؟ من تُبلغ؟ وهل يفرض عليها القانون اتخاذ إجراء سريع؟
التنظيمات تلاحق الواقع بصعوبة
رغم جهود بعض الدول، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لسن قوانين وسياسات للأمن السيبراني، فإن الواقع التقني يتغير بوتيرة أسرع من التشريعات. وفي كثير من الأحيان، لا يملك صانعو القرار الدراية الكافية لفهم التهديدات الرقمية الحديثة.
العامل البشري: الحلقة الأضعف دائماً
غالبًا ما تبدأ الكوارث الإلكترونية بنقرة خاطئة أو كلمة مرور ضعيفة. لذلك، تركز السياسات الحديثة على إدارة صلاحيات المستخدمين، خصوصاً في بيئات العمل البعيدة، حيث يصعب تتبع من يمكنه الوصول إلى البيانات الحساسة.
ما القادم؟
الهجمات ستستمر، وربما تأخذ أشكالاً أكثر تعقيداً، مدعومة بالذكاء الاصطناعي والتزييف العميق. لكن المؤكد أن الأمن السيبراني أصبح جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي. فالدول التي لا تتعامل مع بنيتها الرقمية كأولوية استراتيجية، قد تجد نفسها مكشوفة أمام خصوم لا يحملون سلاحًا تقليديًا، بل لوحة مفاتيح.
تعليقات الزوار