هل تعيد واشنطن رسم خريطة الطاقة في آسيا؟

احمد الوندي - الخبير في مخاطر أمن الطاقة

التقرير الجيوسياسي (خاص)

 

الصين والهند، أكبر مشتريْن للنفط الخام الروسي، لا يبدوان حتى الآن في حالة ذعر من احتمال أن تفرض الولايات المتحدة ما يُعرف بـ “الرسوم الثانوية" على الدول التي تعتمد على واردات الطاقة الروسية – حيث أشار العديد من المصادر إلى أن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تتغير باستمرار. كان ترامب قد حذّر يوم الاثنين من أن واشنطن ستفرض رسوماً ثانوية بنسبة 100% "إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن الحرب الروسية الأوكرانية خلال 50 يوماً". هذه الرسوم ستستهدف صادرات الدول التي تشتري الطاقة الروسية إلى الولايات المتحدة.

لكن ما يجب مراقبته هو ما إذا كانت الدول الرئيسة مثل الصين والهند وتركيا ستسعى إلى زيادة مشترياتها من النفط الخام والمنتجات الروسية في الأسابيع المقبلة، بما في ذلك لتخزين الكميات قبل انتهاء مهلة الخمسين يوماً. تستورد كل من الصين والهند حوالي مليوني برميل يومياً من الخام الروسي، وتستورد تركيا نحو 300,000 برميل يومياً. حتى الآن، ارتفعت صادرات روسيا البحرية إلى الهند وتركيا في النصف الأول من شهر تموز/يوليو.

واكدت محللة نفطية بارزة تركز على الصين في شركة تحليل البيانات Kpler، لمجلة Energy Intelligence: "لا أستبعد أن تكون الصين تنوي تحميل بعض الشحنات الروسية مبكراً قبل انتهاء المهلة تحسباً لاحتمال أن ترامب قد لا يتراجع هذه المرة". "لكن الكميات التي يمكنهم تحميلها مسبقًا قد تكون محدودة، لأن صادرات روسيا من النفط الخام يُتوقع أن تنخفض مع زيادة معدلات التشغيل للمصافي المحلية خلال موسم الصيف، كما أن الهند ومشترين آخرين مثل تركيا قد يفكرون في الأمر ذاته" وبين بعض التجار الصينيون يعملون في تجارة زيت الوقود الروسي إنه لم يلحظ أي تأثير حتى الآن على خطط الشراء. وأضافوا: ان الناس لا يعيرون اهتماما كبيرا لترامب هذه الأيام. المشترون لا يهتمون كثيراً بسياسات الولايات المتحدة.  كان ترامب قد هدد في آذار/مارس بفرض رسوم تتراوح بين 25% و50% على مشتري النفط الروسي، كما يسعى الكونغرس أيضاً إلى فرض رسوم ثانوية بنسبة 500% من خلال تشريع منفصل تم وضعه على الرف مؤقتاً.

رد الصين القوي، وتقلب السياسة الأمريكية

يُنظر إلى رد الصين القوي على رسوم ترامب السابقة كرادع محتمل. وقال مصدر آسيوي مطلع على السوق الصينية إنه يشك في أن بكين ستخضع لضغوط الرسوم الثانوية على النفط الروسي، مشيراً إلى أن ترامب لم يستطع سابقًا تحمل الضغط عندما ردّت الصين بفرض رسوم بنسبة 125% على الواردات الأمريكية. وصرح أحد تجار الغاز الطبيعي المسال في شركة Petrochina: "مبدأ الصين هو المعاملة بالمثل"، مضيفاً أن المشترين الصينيين غير قلقين. "دعونا ننتظر تاكو"، في إشارة إلى اختصار جملة "ترامب يتراجع دائماً" (Trump Always Chickens Out). ورأى تاجر نفط خام يعمل في شركة تجارية دولية تزود مصافي التكرير الصينية المستقلة، أن التهديد بفرض رسوم هو مجرد ورقة مساومة، مشيراً أيضًا إلى عدم وجود تحرك مشابه في ملفات أخرى: "إذا كان ترامب جاداً في فرض الرسوم على روسيا، فليبدأ أولاً برسوم فنزويلا الثانوية". وأشار إلى أن الصين تشتري كميات كبيرة من النفط الخام من فنزويلا أيضاً. وكان ترامب قد وقع أمرًا تنفيذياً في آذار/مارس ينص على أن الدول التي تشتري النفط أو الغاز من فنزويلا قد تواجه رسوماً بنسبة 25% على جميع تجارتها مع الولايات المتحدة.

وقال مصدر آخر في مصفاة صينية تشتري النفط الروسي إن عدم اليقين الكبير في سياسات ترامب يجعل من الصعب تقييم الآثار المحتملة للرسوم الثانوية على السوق. "أشعر أن التفكير في هذا الأمر الآن غير مجدٍ. سياسات ترامب تتغير باستمرار"، وقال مصدر آخر من مصفاة في شمال شرق آسيا: "لم أعد أعرف ما هو حقيقي بعد الآن". وفي الهند، أكد تجار أيضاً على حالة عدم اليقين بشأن الخطوة التالية لترامب: فهو يعلن ثم يتراجع عن نفس التصريحات، حسبما ذكروا لمجلة Energy Intelligence، كما أشار مسؤولون إلى تغيرات مستمرة في نسب الرسوم. كما أضافوا أنه إذا نفّذ ترامب هذا التهديد، فإن الضرر سيرتد على الولايات المتحدة نفسها – من خلال ارتفاع الأسعار.

واقع مزعج للهند، ومكاسب للصين؟

لا ترغب المصافي الهندية في أن يُفسد أحد "رغبتهم الواسعة باستيراد النفط الخام" التي استمرت ثلاث سنوات مع روسيا، والتي تُعد حالياً أكبر مورد نفط للهند – إذ تشكل 40% من وارداتها. وهم متفقون على أن أسعار درجات الخام المتوسطة الحامضة سترتفع إذا انقطعت الإمدادات الروسية. وتُعتبر الهند أكثر احتمالاً – مقارنة بالصين التي فرضت رسوماً انتقامية صارمة على الولايات المتحدة ولا تعترف بالعقوبات الأحادية – في تقليص أو تجنب شراء النفط الروسي رداً على الرسوم الثانوية الأمريكية، نظراً لعلاقة الهند الأكثر مرونة مع الولايات المتحدة. عادةً ما تشتري الصين كميات محدودة من خام الأورال الروسي المتوسط الحامضية. لكن تقليص الهند لمشترياتها بسبب تهديد الرسوم قد يصب في مصلحة الصين، حيث قد يؤدي إلى انخفاض أسعار خام الأورال بما يكفي ليصبح مجدياً اقتصادياً للمصافي الصينية، وفقًا لمصدر في السوق الآسيوي وآخر في مصفاة صينية. والنتيجة المحتملة هي توفر كميات أكبر من النفط الخام الروسي للمصافي الصينية، وبأسعار أرخص، وفقًا لمصدر في السوق الصيني. بلغ متوسط واردات الهند من النفط الروسي 1.8 مليون برميل يومياً هذا العام حتى منتصف تموز/يوليو – منها 74%، أو 1.32 مليون برميل يومياً، من خام الأورال، والباقي من خامات أخف، بحسب بيانات تتبع السفن من شركة Kepler.

يُباع النفط الروسي بخصم يتراوح بين 2 و3 دولارات للبرميل عن خام برنت على أساس التسليم للمصافي الهندية. وقد يؤدي فرض الرسوم الثانوية إلى فقدان الهند لتلك الخامات المخفضة، واضطرارها لدفع علاوة للحصول على بدائل، حسبما قال مسؤولان في قطاع التكرير. في عام 2021، كانت روسيا تمثل أقل من 2% من واردات الهند. وقال أحد المسؤولين في مصفاة: "كنا نحصل على إمداداتنا من الشرق الأوسط، وغرب أفريقيا، والولايات المتحدة". لكن اليوم، الوضع أكثر تعقيداً، بحسب مسؤول آخر: "مصافينا مصممة لمعالجة درجات النفط الأثقل والأكثر كبريتًا، وهي صعبة المنال عالميًا. يجب أن تأتي من الشرق الأوسط"، أضاف. شكل الخليج العربي 42% من واردات الهند من النفط الخام هذا العام. لكن الحصول على خامات مثل العربي المتوسط، البصرة، ومربان سيصبح مكلفاً إذا أدت رسوم ترامب بنسبة 100% إلى منع النفط الروسي، حسبما قال تاجر كبير في إحدى المصافي. وأضاف: "أرامكو سترفع الأسعار الرسمية."

رد فعل روسيا

أما روسيا، فهي لا تكترث بإنذار ترامب، حسبما قال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري ميدفيديف. وكتب على منصة "إكس": "ترامب أصدر إنذاراً زخرفياً للكرملين. العالم ارتجف منتظراً العواقب. أوروبا المتشددة أصيبت بخيبة أمل. روسيا لم تهتم." وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن تصريحات ترامب "جدية إلى حد ما"، مشيراً إلى أن الكرملين بحاجة إلى وقت لتحليلها. ويتفق المحللون على أن الإنذار يُعتبر في موسكو غير مقبول، ومن غير المرجح أن تخضع روسيا للضغوط. لكن الآراء تختلف بشأن كيفية تفاعل شركاء روسيا التجاريين مع الأمر.

الاستنتاجات

- بالفعل كثرة التصريحات من ترامب جعلت من الصعوبة التكهن بمالات الأفعال التي قد تتبناها الولايات المتحدة، خصوصا وأنها قد تكون حمالة أوجه، مثلما حصل في المفاوضات الإيرانية الامريكية غير المباشرة، في إشارة، الى مهلة ال 60 اليوم التي أعطاها ترامب الى الإيرانيين وأدت من بعدها الى اندلاع حرب مباشرة بين الكيان الصهيوني والإيرانيين ودخول الامريكان بشكل رسمي الى الحرب واستهداف المفاعلات الإيرانية بقصف امريكي مباشر.

-  زيادة المشتريات المحتملة من قبل الصين والهند ستدفع باتجاه ارتفاع أسعار الخام الروسي والذي ميزته هو السعر الرخيص نسبيا من باقي النفوط الحامضية والمتوسطة والتي ستتيح الى نفوط منافسة منها نفوط الشرق الأوسط بإيجاد طريقها بشكل أفضل الى المصافي الصينية. وإذا ما فرضت هذه التعريفات فينعكس الامر ويجعل من النفط الروسي أكثر رخصا ويرفع من أسعار نفوط الشرق الأوسط.

تعليقات الزوار