حذّرت الأمم المتحدة من أنّ موجات الجفاف المتفاقمة بفعل تغيّر المناخ باتت تمثل "تهديداً مميتاً بطيء الحركة"، مؤكدةً أن العالم يشهد خلال العامين الأخيرين بعضاً من أسوأ حالات الجفاف المسجلة في تاريخه، من إفريقيا إلى أوروبا وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا.
وجاء في التقرير، الذي صدر بدعم من الأمم المتحدة تحت عنوان «مناطق الجفاف الأكثر تضررًا في العالم»، أن الجفاف يعمل بصمت على استنزاف موارد الأرض، وتقويض الأمن الغذائي، وتفكيك النُظم البيئية، وزيادة الفقر والنزوح، والتسبب بكوارث إنسانية معقّدة.
شرق إفريقيا في صدارة الكارثة
سجّل التقرير أن منطقة القرن الإفريقي، لا سيما الصومال وإثيوبيا وكينيا، شهدت في عام 2023 أسوأ موجة جفاف منذ 70 عاماً، نتيجة سنوات متتالية من شح الأمطار. وقد أدّت المجاعة الناتجة عن الجفاف في عام 2022 وحده إلى وفاة نحو 43 ألف شخص في الصومال.
كما تضررت الحياة البرية بشكل لافت، حيث جُرفت قطعان من أفراس النهر في بوتسوانا في الأوحال، وقتلت السلطات في زيمبابوي وناميبيا العديد من الفيلة للحفاظ على المراعي الشحيحة وإطعام المجتمعات المنكوبة.
الجفاف يُدمّر المجتمعات ويُفاقم الأزمات الإنسانية
لفت التقرير إلى أنّ الجفاف في شرق إفريقيا أدى إلى مضاعفة حالات زواج القاصرات في أربع مناطق متضررة، في محاولة من الأسر للنجاة عبر مهور الزواج، بينما أجبر الفقر عشرات آلاف الفتيات على ترك المدارس.
وقالت باولا غواستلو، كبيرة خبراء التقرير «الجفاف خلق مشاهد مأساوية… العائلات تحفر في مجاري الأنهار الجافة بحثاً عن مياه ملوثة، والفتيات يُجبرن على الزواج، والمستشفيات تعاني شحّاً كارثياً».
من إسبانيا إلى الأمازون: لا أحد في مأمن
أشار التقرير إلى أن تأثير الجفاف لم يقتصر على البلدان النامية، بل طال دولاً متقدمة أيضًا؛ فقد تقلّص محصول الزيتون في إسبانيا إلى نصف إنتاجه المعتاد، فيما انخفض منسوب نهر الأمازون إلى مستويات قياسية، مما تسبب في نفوق جماعي للأسماك والدلافين، وأثر على مياه الشرب لآلاف السكان المحليين.
كما أثّر الجفاف بشكل مباشر على التجارة العالمية، إذ أدى انخفاض منسوب المياه في قناة بنما بين أكتوبر 2023 ويناير 2024 إلى تقليص عدد السفن العابرة يومياً من 38 إلى 24 فقط.
دعوة للاستعداد لـ"الوضع الطبيعي الجديد"
دعا معدّو التقرير الدول إلى التأقلم مع "الوضع الطبيعي الجديد" الذي تفرضه موجات الجفاف المتكررة، عبر تحديث أنظمة الإنذار المبكر وتعزيز إدارة الموارد المائية، محذّرين من أن الجفاف لم يعد مجرد ظاهرة مناخية، بل "حالة طوارئ بيئية واجتماعية واقتصادية".
وقال د. مارك سوبودا، مدير المركز القومي الأمريكي لتقليص آثار الجفاف وأحد المشاركين في إعداد التقرير: «إنه أسوأ كارثة بطيئة عرفناها… السؤال ليس إن كانت ستتكرر، بل متى؟ وهل سنكون جاهزين حينها؟»
تعليقات الزوار