En

ترابط مخاطر الطبيعة والمناخ: نحو نموذج جديد لإدارة المخاطر العالمية

تشهد المؤسسات المالية والشركات حول العالم تحولاً متسارعاً في فهمها لمخاطر الطبيعة والمناخ، التي باتت تُعامل اليوم كملف واحد مترابط لا يمكن الفصل بين عناصره. هذا التحول يعكس إدراكاً متزايداً بأن الخسائر الاقتصادية الناتجة عن تدهور البيئة وتغيير المناخ لم تعد أحداثاً مستقبلية، بل واقعاً يؤثر مباشرة على قرارات الاستثمار وسلاسل التوريد وإدارة الأصول.

أولاً: صدمة الأرقام وتغيّر أولويات الشركات

تراجع التنوع الحيوي بنسبة 73% منذ عام 1970، وتجاوز خسائر الأنواع الغازية 423 مليار دولار سنوياً، يمثلان مؤشراً صارخاً على أن التدهور البيئي لم يعد ظاهرة طبيعية فحسب، بل أصبح عاملًا جوهرياً يؤثر على الأمن الاقتصادي العالمي. وتشير بيانات المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن نصف المخاطر الأكثر تهديداً للأعمال خلال العقد المقبل مرتبطة مباشرة بالطبيعة والمناخ.

ثانياً: الطبيعة والمناخ… حلقة تغذية راجعة واحدة

تؤدي الظواهر المناخية المتطرفة إلى تدمير النظم البيئية، فيما يؤدي تدهور الطبيعة إلى تقليل قدرة البيئة على امتصاص الصدمات المناخية. هذا التفاعل المتبادل يجعل من الضروري اعتماد نهج موحّد في إدارة المخاطر، يتجاوز النماذج التقليدية التي تفصل بين ملفات المناخ والتنوع الحيوي.

ثالثاً: نحو مقاربات عملية – نموذج LEAP لإدارة مخاطر الطبيعة

تعتمد المؤسسات الرائدة اليوم على أدوات تحليل متقدمة مثل إطار TNFD ومنهجية LEAP، التي تتيح:

تحديد نقاط الارتباط بين المؤسسة والبيئة عبر العمليات وسلاسل التوريد.

فهم مستوى الاعتماد على خدمات النظم البيئية مثل المياه والتلقيح والحماية الساحلية.

تقييم أثر فقدان الطبيعة على استدامة الأعمال.

تطوير استراتيجيات تكيّف وإفصاح تتماشى مع CSRD والأنظمة الأوروبية.

رابعاً: التعامل مع المخاطر المتبقية – صعود التأمين البارمتري

مع اتساع فجوة المخاطر المناخية وصعوبة السيطرة على جزء منها، باتت أدوات التأمين البارمترية خياراً مبتكراً يوفر سيولة فورية عند تحقق مؤشرات مناخية محددة، مما يساعد المؤسسات على حماية مشاريعها الحساسة بيئيًا واستمرار عملياتها في أوقات الأزمات.

خاتمة

تكشف الاتجاهات الحالية عن تحوّل استراتيجي عالمي، عنوانه: إدارة مخاطر الطبيعة والمناخ بوصفها منظومة واحدة مترابطة. ويبدو واضحاً أن المؤسسات القادرة على دمج التحليل البيئي في عمليات اتخاذ القرار، واعتماد أدوات تقييم متقدمة، وتفعيل حلول التأمين الذكية، ستكون الأكثر قدرة على الصمود في بيئة اقتصادية تتسم بمخاطر متزايدة وتعقيدات متنامية.

تعليقات الزوار