الأمم المتحدة تواجه أعمق أزمة مالية في تاريخها
تشهد الأمم المتحدة أزمة مالية غير مسبوقة منذ تأسيسها قبل 80 عامًا، نتيجة تجميد المساهمات الأمريكية وتراجع الدعم الإنساني من كبار المانحين، ما يهدد بشلل محتمل في عمليات المنظمة من حفظ السلام إلى إغاثة اللاجئين.
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن المنظمة تخوض “سباقًا نحو الإفلاس” إذا لم تسدد الدول الأعضاء التزاماتها المالية كاملة وفي الوقت المحدد، معلنًا عن خفض مقترح في ميزانية عام 2026 بنسبة 15%، وتقليص عدد الموظفين بنحو 19%.
واشنطن في قلب الأزمة
تعود جذور الأزمة إلى قرار الإدارة الأمريكية الجديدة تجميد مساهماتها في الميزانية الأساسية للأمم المتحدة، وسط معارضة سياسية داخلية.
وتعد الولايات المتحدة أكبر ممول للمنظمة، إذ تغطي نحو 22% من ميزانيتها العادية، وتقدم مليارات الدولارات من المساعدات الطوعية. لكن معظم مساهمتها البالغة نحو 820 مليون دولار لعام 2025 تم تعليقها أو تأجيلها.
ويقول الخبير في شؤون تمويل الأمم المتحدة، روني باتز، إن “هذه أكبر أزمة تضرب النظام الأممي بأكمله، لأن كل أجزائه تأثرت في الوقت نفسه، ما يجعل من الصعب معالجتها جزئيًا كما في السابق”.
تداعيات عالمية و”تأثير الدومينو”
أدى التراجع الأمريكي إلى سلسلة من التخفيضات المماثلة بين مانحين تقليديين كألمانيا وبريطانيا وهولندا بسبب ضغوط مالية داخلية، فيما تؤخر الصين وروسيا تحويل مساهماتهما.
ويحذر باتز من أن “الانسحاب الأمريكي كان يُعوَّض عادة من دول أخرى، لكن هذا العام حتى تلك الدول تعاني من عجز في ميزانياتها”.
انعكاسات إنسانية “كارثية”
أقسى تداعيات الأزمة ظهرت في الوكالات الإنسانية، وعلى رأسها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)، التي خفضت مساعداتها المالية والطارئة بنحو 60%.
وقال المتحدث باسم المفوضية، ماثيو سولت مارش: “كانت سنة قاسية، بل مدمّرة للاجئين. الولايات المتحدة كانت مانحنا الأكبر، لكن دولًا أوروبية وآسيوية أيضًا قلّصت دعمها.”
بفعل هذه التخفيضات، أُغلقت مراكز دعم النساء في السودان، وتوقفت 450 منشأة صحية في أفغانستان، كما قد يخسر نحو مليون شخص في أوكرانيا مساعداتهم النقدية، ويحرم نصف مليون طفل روهينغي من التعليم في بنغلادش.
تحول الأولويات نحو الإنفاق العسكري
يرى الخبراء أن الأزمة تعكس تحولًا عالميًا في أولويات الإنفاق من المجال الإنساني إلى الدفاع والأمن.
ويحذر سولت مارش من أن “إهمال التمويل الإنساني يعني زعزعة الاستقرار العالمي، فحين تنهار المناطق الهشة، يمتد انعدام الأمن إلى الجميع”.
عام 2026.. الأسوأ في تاريخ المنظمة
يتوقع باتز أن يكون عام 2026 “الأسوأ على الإطلاق” إذا لم يتم التوصل إلى حل عاجل، مشيرًا إلى أن الأمم المتحدة قد تضطر إلى إغلاق بعض مقراتها مطلع العام المقبل في حال استمرار العجز.
ويختتم الخبير بالقول: “إما أن تتفق الدول الأعضاء على آلية تمويل فعّالة، أو أن تواجه الأمم المتحدة خطر الشلل الكامل لأول مرة في تاريخها.”
تعليقات الزوار