En

متى يحاسب القراصنة السيبرانيون؟

بقلم: هاريت مويانيان، أمل كلوني وفليبا ويب

مع تصاعد التوترات الجيوسياسية، تتزايد الهجمات الإلكترونية، مع استهداف الخدمات العامة بشكل متكرر. وقد شهدت أكثر من 130 دولة اضطرابات سيبرانية. ففي السنوات الأخيرة، شلّت هجمات برامج الفدية في كوستاريكا الخدمات الأساسية لشهور.

كما أدت هجمة سيبرانية على ألبانيا إلى شلل نظام الدخول إلى الحدود وكشف هوية المخبرين لدى الشرطة. وهددت هجمات برامج الفدية طويلة الأمد على النظام الصحي في أيرلندا العلاج الإشعاعي لمئات مرضى السرطان.

تعمل تقنيات الذكاء الاصطناعي على "دمقرطة" الجريمة الإلكترونية، إذ أصبح الوصول إلى أدوات مثل برامج الفدية كخدمة سهلاً للغاية. وبالإضافة إلى التكلفة البشرية — بما في ذلك تأخير العلاج في المستشفيات، وانقطاع الكهرباء، واضطراب التعليم — تتصاعد الخسائر الاقتصادية.

ففي العام الماضي وحده، استهدفت هجمات برامج الفدية 389 مؤسسة صحية في الولايات المتحدة. ومن المتوقع أنه بحلول عام 2031، ستستهدف برامج الفدية جهازاً كل ثانيتين، بتكلفة سنوية تقدر بـ 265 مليار دولار للضحايا.

حتى الآن، اعتمدت الدول مجموعة من الاستراتيجيات لمواجهة هذه العمليات السيبرانية، مثل الحوار (بما في ذلك في الأمم المتحدة وبين الهيئات الإقليمية)، وتسمية المسؤولين أو رعاة الدولة لهم، وفرض العقوبات على المشتبه بهم، أو تعطيل سلاسل الإمداد. ولكن المسار القضائي ظل قليل الاستخدام، إذ نادراً ما اضطر مرتكبو الهجمات السيبرانية للمثول أمام المحاكم.

دعاوى سيبرانية بين الدول أمام محكمة دولية؟

أصبح اللجوء إلى التقاضي بين الدول أكثر شيوعاً، مع تسجيل تسع قضايا لدى محكمة العدل الدولية بين أبريل 2023 و2024 — أي حوالي أربعة أضعاف المتوسط السنوي للسنوات السابقة. ومع ذلك، هناك أسباب تجعل الدولة الضحية لا ترغب في رفع قضية بين الدول، حتى إذا تمكنت من جمع الأدلة الكافية لإثبات نسبة الهجوم السيبراني إلى دولة أخرى.

أولاً، تتردد العديد من الدول في السماح لطرف ثالث مستقل أو محكمة بالبت في جوهر النزاع، خاصة في سياق العمليات السيبرانية السرية وحساسية الأدلة.

ثانياً، نادراً ما تصف الدول العمليات السيبرانية ضدها بأنها انتهاك للقانون الدولي، ما يحول دون وجود "نزاع" قانوني. وقد ترغب القوى السيبرانية الكبرى في الحفاظ على حرية عملياتها، لذا تصف الهجمات ضدها بـ "الخبيثة" أو "غير المسؤولة" بدلًا من "غير القانونية".

المساءلة عبر القضاء

بالنسبة للدول الأقل قوة التي تتعرض لهجمات سيبرانية خبيثة، يمكن أن يكون اللجوء إلى القضاء خياراً جذاباً، خاصة إذا أدى إلى تعويضات ملموسة. وقد سعت بعض الدول للحصول على استشارات قانونية حول إمكانية رفع دعوى بين الدول استجابةً لهجمات سيبرانية أثرت بشكل كبير على بنيتها التحتية أو سكانها.

تشمل التحديات في التقاضي السيبراني جمع الأدلة لتحديد هوية الجناة، ونسب الهجوم إلى الدولة وفقًا لقواعد مسؤولية الدولة. وقد تحسنت تقنيات النسبة بفضل التعاون الدولي والخاص العام. كما طُرحت آليات مستقلة لجمع الحقائق ونقل القضايا إلى محكمة العدل الدولية أو مجلس الأمن، بالإضافة إلى مقترحات لآليات تقودها الدولة لوضع معايير أدلة للهجمات السيبرانية وقوائم خبراء يمكن للدول استشارتهم.

الدعاوى الإقليمية وحقوق الإنسان

قد تُرفع دعاوى سيبرانية أمام محاكم حقوق الإنسان الإقليمية، على سبيل المثال، إذا كانت الدول طرفاً في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، يمكن تقديم شكوى بسبب انتهاك الحق في الحياة أو فشل الدولة في التحقيق في انتهاكات مزعومة.

المحاكمة الجنائية للأفراد

إذا أمكن نسب العملية السيبرانية إلى فرد، يمكن محاكمته محلياً. وتشجع اتفاقية بودابست للجرائم الإلكترونية والاتفاقية الجديدة للأمم المتحدة ضد الجرائم الإلكترونية الدول على تجريم النشاط السيبراني والتعاون في التحقيق والملاحقة القضائية. ومع ذلك، نادراً ما يتم الملاحقة القضائية بسبب تعقيد الأدلة وانتشارها عبر حدود متعددة، واعتماد المحققين على القطاع الخاص للحفاظ على الأدلة وتحليلها.

نجاحات حديثة

شهدت السنوات الأخيرة نجاحات في مكافحة الهجمات السيبرانية، مثل عملية "كرونوس" بقيادة وكالة الجريمة الوطنية البريطانية وFBI بالتنسيق مع يوروبول ويوروجست ضد مجموعة LockBit، أسفرت عن السيطرة على مواقعها وخوادمها في عدة دول واعتقال عناصرها.

التوجهات المستقبلية

مع انتشار العمليات السيبرانية المدعومة من الدولة، من المرجح أن تلجأ الدول إلى القضاء لمساءلة مرتكبيها، سواء عبر المحاكم الدولية أو المحلية. كما يمكن للضحايا المدنيين الحصول على تعويضات في قضايا أمام المحاكم الأوروبية. ومع تطور جمع الأدلة وتحديد المسؤولية والتعاون متعدد الأطراف، تظهر مسارات أوضح للمساءلة القانونية، مما يشير إلى أن القضايا السيبرانية ستظهر قريباً على جدول المحاكم، ليحصل الضحايا على يومهم في المحكمة.

تعليقات الزوار