En

انعكاسات التصعيد الأمريكي على بيئة الاستثمار في العراق

 

 

في تطور جديد يعكس تعقيد المشهد الاقتصادي والسياسي في العراق، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في التاسع من أكتوبر الجاري عقوبات على عدد من الكيانات والأفراد العراقيين، كان أبرزها إدراج شركة المهندس العامة للمقاولات – التابعة لهيئة الحشد الشعبي – على قائمتها السوداء، في خطوة وُصفت بأنها ذات أبعاد سياسية تتجاوز الإطار الاقتصادي التقليدي.

ويأتي القرار الأمريكي في وقت حساس داخلياً مع اقتراب الانتخابات العراقية المقبلة، وفي ظل مساعٍ حكومية للحفاظ على التوازن في العلاقات مع واشنطن وطهران، ما يجعل تداعيات هذه العقوبات أكثر تعقيداً وتشابكاً من أي وقت مضى.

خلفية القرار الأميركي

تأسست شركة "المهندس" في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 بموافقة مجلس الوزراء، وسُجلت رسمياً في وزارة التجارة العراقية في فبراير/شباط 2023. وهي شركة عامة تعمل في مجالات الإنشاءات والزراعة والصناعة، وسُمّيت تيمناً بـ أبو مهدي المهندس، أحد أبرز قادة الحشد الشعبي الذين اغتيلوا في مطلع عام 2020 بغارة أمريكية قرب مطار بغداد.

وبررت وزارة الخزانة الأمريكية قرارها باتهامات تتعلق بـ"دعم إيران، والمساعدة في التهرب من العقوبات، وتهريب الأسلحة، والفساد الواسع النطاق"، وهي تهم ترفضها بغداد، معتبرة أنها تمس مؤسسات الدولة العراقية وتؤثر في بيئتها الاقتصادية والأمنية.

ردّ الحكومة العراقية

عبّرت الحكومة العراقية، على لسان المتحدث باسمها باسم العوادي، عن أسفها لهذا القرار، مؤكدة حرصها على حماية مصالح البلاد وسيادتها الاقتصادية.

كما وجّه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتشكيل لجنة وطنية تضم ممثلين عن وزارات المالية والنزاهة والبنك المركزي وديوان الرقابة المالية لمراجعة القضية ورفع تقرير تفصيلي خلال 30 يوماً.

ويرى مراقبون أن هذا التحرك يعكس سعي الحكومة إلى احتواء الأزمة بسرعة وتفادي تداعياتها المحتملة على المشاريع المرتبطة بشركة "المهندس"، خصوصاً تلك الممولة من الموازنة العامة.

تقييم المواقف السياسية

أكد المستشار السياسي عائد الهلالي أن القرار الأميركي "يتجاوز البعد الاقتصادي" ويهدف إلى "ممارسة ضغط مباشر على الحكومة العراقية والتأثير في قراراتها السيادية".

وأشار في حديث صحفي إلى أن الحكومة "أثبتت قدرة متزنة في إدارة الأزمات"، وأنها ستلجأ إلى القنوات الدبلوماسية لاحتواء الموقف، مع تعزيز مبدأ السيادة الوطنية ورفض أي تدخل خارجي.

ويرى الهلالي أن "هذه الأزمة قد تشكل اختباراً جديداً لقدرة الدولة على توحيد الموقف الداخلي، وترسيخ مفهوم السيادة عبر الحوار والحكمة، وهو ما قد يعزز مكانة العراق الإقليمية إذا ما أُدير الملف بعقلانية".

الأبعاد الانتخابية والسياسية

من جانبه، اعتبر الباحث السياسي أمير الساعدي أن توقيت العقوبات يحمل "رسائل سياسية" تتزامن مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي.

وأوضح أن الحكومة تسعى إلى "التهدئة بين الفصائل المشمولة بالعقوبات"، والحفاظ على الاستقرار إلى حين إجراء الانتخابات.

وأشار الساعدي إلى أن بغداد تحاول إدارة علاقات متوازنة مع واشنطن ودول الجوار، مؤكداً أن "ملف انسحاب القوات الأمريكية جزء من هذا التوازن الجديد الذي يقوم على شراكات أمنية واقتصادية وسياسية طويلة الأمد".

الانعكاسات الاقتصادية المحتملة

يرى الخبير الاقتصادي أحمد الأنصاري أن العقوبات ستترك أثراً مباشراً على الاقتصاد العراقي، إذ أن "شركة المهندس" تنفذ مشاريع بنى تحتية وزراعية واسعة داخل العراق بعقود رسمية.

وأضاف أن العقوبات "ستؤثر على المقاولين الثانويين والمتعاملين مع الشركة"، وقد تؤدي إلى تعطيل مشاريع حيوية وتأخير تنفيذها، فضلاً عن التأثير على التحويلات المصرفية وثقة الأسواق المالية.

كما حذر الأنصاري من أن التشديد الرقابي الأمريكي على التحويلات العراقية سيؤدي إلى زيادة الضغوط على سعر الصرف وارتفاع الأسعار محلياً، داعياً الحكومة إلى تحرك دبلوماسي عاجل لتوضيح موقفها وتقليل الأضرار المحتملة.

 

تعليقات الزوار