كيف تعيد المؤسسات المالية صياغة إدارة المخاطر في عصر الاضطرابات

تشهد المؤسسات المالية حول العالم مرحلة إعادة تعريف شاملة لمفهوم إدارة المخاطر في ظل بيئة تتسم بتداخل التهديدات الإلكترونية، والتعقيدات التنظيمية، والتقلبات الاقتصادية، والاضطرابات الجيوسياسية. فبدلاً من اعتبار إدارة المخاطر مجرد عملية تشغيلية، باتت اليوم أداة استراتيجية لتعزيز النمو وتحقيق المرونة.

التحول في منهج إدارة المخاطر

وأصبحت المؤسسات المالية تستخدم أدوات التأمين ورأس المال البديل ليس فقط لتقليل الخسائر، بل أيضاً لتحسين مراكزها المالية ودعم التوسع المستدام. كما غيّرت التكنولوجيا طبيعة المنافسة، إذ فرضت الذكاء الاصطناعي والأتمتة فرصاً جديدة ومخاطر غير مسبوقة، ما يستلزم دمج الحوكمة الرقمية في جميع مراحل التحول الرقمي.

المخاطر الحالية الأكثر تأثيراً

ووفقاً لتقرير "Aon Global Risk Management Survey"، تتصدر الهجمات السيبرانية والاختراقات الإلكترونية قائمة التحديات التي تواجه المؤسسات المالية، تليها التغيرات التشريعية والتقلبات الاقتصادية. وتشمل قائمة المخاطر العشرة الأولى أيضاً تذبذب أسعار الفائدة، وفشل الأنظمة التقنية، وتراجع السمعة، وانقطاع الأعمال، ومخاطر الائتمان والسيولة.

الأمن السيبراني: أزمة ثقة لا مجرد تحدٍ تقني

وتُعد الهجمات السيبرانية التهديد الأول للقطاع المالي، إذ لم تعد تقتصر على الجانب التقني، بل تمس ثقة العملاء واستقرار المؤسسات. وقد أصبحت الهجمات المدفوعة بالذكاء الاصطناعي أكثر تعقيداً، ما يجعل من الضروري دمج إدارة المخاطر السيبرانية في الإطار المؤسسي العام، مع اعتماد خطط استجابة للأزمات واختبارها بشكل دوري لضمان استمرارية العمل.

المخاطر التنظيمية والاقتصادية

وتتزايد التحديات المرتبطة بالتشريعات الجديدة، خاصة في مجالات الأصول الرقمية وحماية البيانات، ما يدفع المؤسسات إلى تبني أدوات “RegTech” (التكنولوجيا التنظيمية) لمواكبة التغييرات وتقليل المخاطر. في الوقت نفسه، يدفع التباطؤ الاقتصادي وتذبذب أسعار الفائدة المؤسسات إلى التحول نحو نماذج الإيرادات المعتمدة على الرسوم بدلاً من الفوائد، لضمان الاستقرار المالي.

التكنولوجيا والمنافسة المستقبلية

وتشكل التكنولوجيا اليوم عاملاً حاسماً في إعادة رسم المشهد المالي العالمي. فشركات التكنولوجيا المالية (Fintech) تقدم حلولاً رقمية سريعة ومرنة مقارنة بالمؤسسات التقليدية المقيدة بالأنظمة القديمة. ومع ذلك، فإن الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي يطرح مخاطر جديدة تتعلق بانحراف النماذج والقرارات الخاطئة، ما يتطلب أطر حوكمة أكثر صرامة.

التحدي الجيوسياسي

التوترات الجيوسياسية والنزاعات الإقليمية والقيود التنظيمية المتزايدة تُجبر المؤسسات على إعادة تقييم وجودها في بعض الأسواق. ويتجه العديد منها إلى دمج تحليل المخاطر السياسية في استراتيجياتها طويلة الأمد لحماية مراكزها المالية وتفادي الأزمات.

نحو مرونة مالية مستدامة

ويرى خبراء المخاطر أن المؤسسات التي تتبنى التفكير الاستراتيجي في إدارة المخاطر، وتستفيد من حلول رأس المال البديل، وتعمل مع مستشارين متخصصين في القطاع، ستكون الأقدر على تحويل المخاطر إلى فرص للنمو. فالمرونة لم تعد مجرد استجابة للأزمات، بل أصبحت ميزة تنافسية في بيئة مالية سريعة التغير.

تعليقات الزوار