
التفاوض كإدارة مخاطر: عراقجي وأسلوب التفاوض الإيراني

العراق يواجه التطرف الالكتروني: معركة جديدة بعد داعش

تقرير "غداً" لإدارة المخاطر عام 2025

المغرب تدمج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات الأمنية

تقرير المخاطر العالمية 2024

رغم امتلاك إيران ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم، إلا أنّ العقوبات الدولية وتدهور البنية التحتية وسنوات من سوء الإدارة أدت إلى أزمات نقص حادة في إمدادات الطاقة. وقد دفعت هذه الظروف طهران إلى الاستعانة بواردات محدودة من تركمانستان وروسيا، لكنها لم تكن كافية لتفادي انقطاعات الكهرباء المتكررة وتوقف بعض الصناعات. ومن أجل معالجة هذه الأزمة، تتجه إيران إلى اتفاق جديد مع موسكو لتأمين الغاز.
بموجب الخطة، ستبدأ إيران باستيراد 1.8 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الروسي، مع إمكانية رفع الكمية إلى 55 مليار متر مكعب على مراحل لاحقة، وبأسعار أقل مما تدفعه كل من الصين وأوروبا. إضافة إلى ذلك، تعهّدت روسيا بتمويل مشاريع بنى تحتية أساسية عبر أذربيجان لتسهيل عمليات النقل والتوزيع.
مفاوضات معقدة وحسم بيد موسكو
أكّد السفير الإيراني في موسكو، كاظم جلالي، أنّ موضوع الغاز كان محوراً رئيسياً في محادثات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، على هامش قمة منظمة شنغهاي في مدينة تيانجين الصينية مطلع أيلول/سبتمبر الجاري. وأوضح أن مسألة التسعير هي النقطة الوحيدة التي ما تزال عالقة في المفاوضات، والتي يُفترض أن تُحسم قريبًا في طهران.
وتشير الخطط إلى أن المرحلة الأولى من الاتفاق ستبدأ خلال أشهر قليلة، بينما تعتمد المراحل اللاحقة على تنفيذ مشاريع كبرى للبنى التحتية، تتولى روسيا تمويلها وتنفيذها. هذا البُعد يعكس نواقص إيران المزمنة في البنية الطاقوية نتيجة العقوبات وضعف الاستثمارات، ويؤكد حاجتها الماسة لإمدادات بديلة، خصوصًا في شمال البلاد خلال فصل الشتاء.
نفوذ روسي دائم مقابل مكاسب إيرانية مؤقتة
لا يقتصر الاتفاق على كونه حلاً مؤقتاً لنقص الطاقة، بل يكشف عن طموح روسي طويل الأمد للسيطرة على قطاع الطاقة الإيراني من خلال تمويل وتوسيع شبكة الأنابيب. في المقابل، تروّج طهران لهذا التعاون باعتباره وسيلة للتغلب على العزلة والعقوبات الغربية. لكن الفجوة واضحة: روسيا تحصل على نفوذ استراتيجي ممتد، فيما تجني إيران مكاسب آنية فقط.
هذا الوضع يثير تساؤلات جدية حول سيادة إيران الطاقوية. فرغم ثروتها الغازية الضخمة، لم تتمكن طهران من تطويرها بشكل كافٍ بسبب العقوبات وسوء الإدارة. وبدلاً من تقليل الاعتماد على الخارج، قد تجد نفسها أكثر ارتباطاً بموسكو، ليس فقط في ملف الغاز، بل أيضاً في مشاريع النفط والطاقة النووية.
مخاطر على طموح إيران بأن تكون مركزاً إقليمياً للطاقة
يحمل الاتفاق أيضاً آثاراً استراتيجية على طموحات إيران بأن تصبح مركزاً إقليمياً للغاز، فمن جهة، يمكن للتمويل الروسي أن يوفّر البنية اللازمة للتصدير نحو دول الخليج وربما أسواق أخرى. ومن جهة أخرى، قد يؤدي الاعتماد على الواردات إلى تقليل الحافز للاستثمار في عمليات الاستكشاف والتطوير المحلية.
كما أن ترتيبات "المقايضة" – حيث تغطي إيران احتياجات الجنوب فيما يزودها الغاز الروسي لشمال البلاد – تعزز بدورها التبعية وتترك أمن الطاقة الإيراني عرضة للتلاعب الروسي. ويثير هذا الأمر حساسيات تاريخية في الوعي الإيراني، نظراً لتجارب القرنين التاسع عشر والعشرين حين فرضت روسيا صفقات تجارية غير متكافئة على طهران.
الحاجة إلى رؤية استراتيجية مستقلة
لكي تتجنب طهران الوقوع في فخ الاعتماد المفرط على موسكو، فإنها بحاجة إلى:
الاستثمار المكثف في البنية التحتية المحلية للغاز.
تنويع شراكاتها الخارجية وعدم حصرها بروسيا.
وضع ضوابط لاتفاقات المقايضة والاستيراد بما يضمن عدم إضعاف قدراتها التصديرية أو تعطيل تطورها التكنولوجي.
إنّ الخلافات المستمرة بشأن التسعير تعكس جوهر المشكلة: امتلاك روسيا أوراق ضغط قوية تسمح لها بتحويل النفوذ الاقتصادي إلى نفوذ سياسي مباشر.
الخلاصة
يعكس الاتفاق الغازي بين إيران وروسيا تداخل الضرورات الاقتصادية بالحسابات الجيوسياسية في ظل نظام عالمي مأزوم. فبينما يوفر لموسكو فرصة لترسيخ نفوذها العميق في قطاع الطاقة الإيراني، يمنح طهران استقراراً قصير الأجل في مواجهة العقوبات. لكن في المدى الطويل، قد يحول دون تحقيق طموحها في أن تكون قوة طاقوية مستقلة وذات سيادة.
تعليقات الزوار