
التفاوض كإدارة مخاطر: عراقجي وأسلوب التفاوض الإيراني

العراق يواجه التطرف الالكتروني: معركة جديدة بعد داعش

تقرير "غداً" لإدارة المخاطر عام 2025

المغرب تدمج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات الأمنية

تقرير المخاطر العالمية 2024

لا يخفى على الجميع أنّ العالم الرقمي أفرز مصطلحات ومفاهيم جديدة، من بينها مفهوم جيل Z (Generation Z)، المعروف أيضاً بـ “الزوومرز” (Zoomers) أو “جيل ما بعد الألفية”، هذا الجيل يُمثّل شريحة ديموغرافية صاعدة لا يمكن تجاهلها، إذ أصبح قوة فاعلة في رسم ملامح المستقبل الاقتصادي والاجتماعي، فهو لا يُختزل بكونه فئة عمرية وحسب، بل يُجسّد منظومة قيم وسلوكيات فريدة تُشكّل تحدياً للنماذج التقليدية في العمل والتعليم والاستهلاك.
نشأ أفراد هذا الجيل في ظروف استثنائية: من الأزمة المالية العالمية، إلى جائحة كوفيد-19، وصولاً إلى الثورة الرقمية التي غزت كل مناحي الحياة، ويُعرف هذا الجيل بأنه الجيل الأول من المواطنين الرقميين (Digital Natives)، إذ وُلد أفراده في بيئة كان فيها الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية، بخلاف جيل الألفية الذي يُعتبر "رائداً رقمياً" لكونه شهد تطور التقنية، فإن جيل Z وُلد وسط عالم رقمي مكتمل البنية، فالتكنولوجيا بالنسبة له امتداد طبيعي للذات، ولهذا السبب يدمجها بسلاسة في التعليم، والعمل، والتواصل، والترفيه، ويبرع بفطرته في التنقّل بين المنصات واستثمار موارد الإنترنت.
في ظهور غير مسبوق، لعب جيل Z في النيبال –المولودون بين 1997 و2012– دوراً محورياً في زعزعة استقرار حكومة كاملة، فقد أصدرت الحكومة قراراً مفاجئاً بحظر منصات التواصل الاجتماعي (Facebook، YouTube، X) بحجة عدم تسجيلها رسمياً، القرار جاء متزامناً مع وجود تطورات رقمية في هذا الاتجاه وخاصة في انتشار ما يُعرف باسم "عيال نيبو"، وهو المصطلح الذي يصف أبناء المشاهير والسياسيين الذين يستعرضون حياة الترف والثراء عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبرز شبكة الانترنت، هذا المحتوى أثار غضب الشباب النيبالي الذي يعاني من البطالة والفقر ويكدّ ساعات طويلة مقابل أجور زهيدة.
كان قرار الحظر بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير؛ إذ وجد الشباب أنفسهم فجأة معزولين عن فضائهم الرقمي الذي يُعد وسيلة للتعبير وحتى لكسب الرزق، فاندلعت مظاهرات عارمة، اقتُحمت خلالها مبانٍ حكومية، وأُحرق البرلمان، وسقط قتلى وجرحى، لجأ الشباب إلى استخدام أدوات تجاوز الحظر وتنظيم احتجاجات سلمية عبر منصات بديلة، ما وسّع نطاق الغضب الشعبي.
أمام التصعيد، تراجعت الحكومة عن قرارها، لكن ذلك لم يوقف موجة الغضب، إذ أُجبر رئيس الوزراء على الاستقالة بعد أن أُحرق منزله ومنازل وزراء آخرين، وتم إجلاؤهم بمروحيات الجيش، وظهرت عمليات الاجلاء بصورة واسعة عبر المنصات وكيف تتدلى حبال الإنقاذ من الطائرة، بمشهد لا بد لاي حكومة ان تعي أهميته، وفي محاولة لاحتواء الوضع، فرضت السلطات حظر تجوّل في العاصمة كاتماندو ومدن أخرى، وأصدرت أوامر "إطلاق النار عند الرؤية" في حالات التصعيد، أُغلق مطار تريبوفان الدولي وأُجلي عدد من الأجانب، وظلت الأوضاع متوترة وغير مستقرة.
تكشف أحداث النيبال أنّ جيل Z لم يعد مجرد جمهور متفرّج على السياسات العامة، بل تحوّل إلى قوة مؤثرة قادرة على إسقاط حكومات، هذا الجيل يمتلك أدوات رقمية فاعلة تمكّنه من نقل غضبه ومطالبه من العالم الافتراضي إلى أرض الواقع، إن نشر الشباب النيبالي لصور "الحياة المترفة" التي يعيشها أبناء السياسيين الفاسدين كان الشرارة التي عجّلت بالانفجار، وأثبتت أنّ الفضاء الرقمي لم يعد مجالاً للترفيه فقط، بل صار ساحة سياسية واجتماعية بامتياز.
أحداث النيبال تُقدّم مثالاً صارخاً على أنّ جيل Z هو أكبر قوة مؤثرة في المشهد العالمي المعاصر، قوة لا يمكن إهمالها أو التقليل من شأنها، ومن ثمّ، لا بد من تطوير أدوات وخطاب جديد يتلاءم مع طاقتها المؤثرة، ويستثمر قدراتها في إحداث التغيير الإيجابي بدل الصدام، لقد أصبحت منصات التواصل الاجتماعي اليوم محركات رئيسية لأي تحوّل، سواء كان اجتماعياً أو سياسياً أو اقتصادياً.
تعليقات الزوار