
مؤسسة غداً لإدارة المخاطر - ترجمة
في كل موجة ترتطم بالصخور على سواحل العالم، تختبئ قوة هائلة غير مستغلة بعد. هذه الطاقة، التي تحملها أمواج المحيطات، قد تكون إحدى الركائز الأساسية للانتقال العالمي نحو مصادر طاقة نظيفة ومستدامة، إذا ما نجحت الجهود البحثية والتقنية في تذليل العقبات أمام استثمارها.
طاقة غير مستغلة بعد
وتقدّر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أن الطاقة الكامنة في أمواج البحار والمحيطات يمكنها نظرياً أن تولّد أكثر من 30 ألف تيراواط/ساعة من الكهرباء سنويًا، أي أكثر من إجمالي الاستهلاك الحالي للكهرباء في العالم.
ورغم هذا الإمكان الهائل، يشير الباحثون إلى أن تحويل طاقة الأمواج إلى مصدر ثابت للكهرباء لا يزال يواجه تحديات تقنية واقتصادية كبيرة.
الحاجة العالمية تدفع نحو الابتكار
الأزمات الجيوسياسية ـ وعلى رأسها تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا ـ دفعت العديد من الدول إلى البحث الجاد عن بدائل داخلية للطاقة وتقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري. هذا، إلى جانب الضغوط المتزايدة لمواجهة التغير المناخي، جعل من الطاقة البحرية أحد الخيارات الواعدة.
الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، وضع هدفاً لتوليد 1 غيغاواط من طاقة المحيطات بحلول 2030، على أن تغطي هذه النسبة نحو 10% من احتياجاته بحلول 2050.
من هم المستفيدون الأوائل؟
تشير الدراسات إلى أن المناطق الساحلية الغربية لأوروبا، وسواحل المحيط الهادئ في الأميركيتين، والمياه الشمالية لبريطانيا، إلى جانب أستراليا، كوريا الجنوبية، والصين، هي الأكثر ملاءمة لاستغلال طاقة الأمواج.
كما أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تمثل حلاً حيوياً لمدن ساحلية وجزر صغيرة تعتمد حتى اليوم على استيراد الوقود باهظ الكلفة.
على هامش مؤتمر المناخ COP26 (2021)، أسست عدة دول جزرية نامية "التحالف العالمي لطاقة المحيطات" لتعزيز التعاون في مجال البحث والتطوير. ومنذ ذلك الحين، وقعت دول مثل باربادوس، برمودا، وغرينادا عقودًا مع شركات أوروبية لتجربة مشاريع أولية بطاقة 2 ميغاواط، تكفي لتشغيل نحو 2800 منزل، مع خطط للتوسع إلى 50 ميغاواط.
تقنيات متعددة وتجارب متعثرة
رغم الحماسة، فإن الطريق لم يكن سهلاً. فقد فشلت عدة مشاريع رائدة:
مشروع "بلاميس" في اسكتلندا الذي ربط بالشبكة عام 2004، انتهى بالإفلاس بعد عقد.
مشروع كارنغي الأسترالي للطاقة النظيفة أُلغي عام 2017 بسبب مشكلات تمويلية.
لكن شركات جديدة مثل CorPower Ocean السويدية وEcoWave Power الإسرائيلية وMocean Energy الاسكتلندية، تقدم نماذج متطورة تحاول تجاوز عقبات مثل القدرة على الصمود أمام العواصف الشديدة وخفض كلفة التشغيل.
مزايا مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى
تتميز طاقة الأمواج بأنها أكثر استقراراً واستمرارية من طاقة الشمس والرياح، حيث لا تغيب الأمواج حتى في غياب الرياح أو أشعة الشمس. هذا يمنحها ميزة مهمة في موازنة الشبكات الكهربائية وتقليل الحاجة إلى أنظمة تخزين ضخمة ومكلفة.
الأبعاد البيئية والاقتصادية
الجدل حول تأثير هذه التقنيات على الحياة البحرية ما يزال قائماً، لكن خبراء يشيرون إلى أن الهياكل المثبتة في البحر قد تصبح بيئة حاضنة للكائنات الحية بدلاً من أن تشكل تهديدًا لها.
اقتصادياً، ما تزال الطاقة البحرية أقل تنافسية مقارنة بالطاقة الشمسية والرياح، لكنها تحمل وعوداً بالتحول إلى رافد مهم في مزيج الطاقة العالمي إذا ما حصلت على الدعم الاستثماري الكافي.
آفاق المستقبل
يرى الباحثون أن العقد القادم سيكون حاسماً لمصير هذه التكنولوجيا. فإذا تمكنت الشركات من إثبات جدواها التجارية، فقد تصبح الأمواج عنصراً أساسياً في استراتيجية العالم للانتقال الطاقوي، خصوصاً في المجتمعات الساحلية المعرضة للكوارث الطبيعية حيث يمكن للأجهزة العائمة أن توفر مصدراً سريعاً وطارئاً للكهرباء.
الخلاصة:
رغم التعثرات السابقة، تبقى طاقة المحيطات أحد أكثر مجالات الطاقة المتجددة وعوداً للمستقبل. نجاحها يتوقف على التغلب على التحديات التمويلية والهندسية، وعلى الإرادة السياسية لدعمها باعتبارها جزءًا من أمن الطاقة العالمي، لا مجرد مشروع تجريبي.
تعليقات الزوار