رومانيا تواجه خطر الانهيار مجدداً وسط إجراءات تقشف "أساسية" رغم احتجاجات شعبية

تسعى الحكومة الرومانية إلى تطبيق حزمة من إجراءات التقشف الصارمة لاحتواء عجز مالي قياسي بلغ 9.3% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، وهو الأعلى في الاتحاد الأوروبي، رغم موجة احتجاجات شعبية واسعة النطاق أثارتها هذه الإجراءات.

وقال وزير المالية ألكسندرو نازاري في مقابلة مع صحيفة فايننشال تايمز إن حزمة أولى من رفع الضرائب وتجميد الإنفاق دخلت حيز التنفيذ في الأول من أغسطس، مع خطط لإطلاق مجموعتين إضافيتين خلال العام الجاري. وأكد نازاري أن الحكومة ملتزمة بتمرير جميع الإجراءات اللازمة لتصحيح المالية العامة، رغم الصعوبات وعدم الشعبية التي تواجهها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل عجز مالي يفوق بكثير الحد المسموح به (3%) ضمن قواعد الاتحاد الأوروبي، بعد أن تردد الحكومة السابقة في تطبيق تقشف قبيل الانتخابات في عام 2024. ويُذكر أن إجراءات التقشف كانت سبباً في سقوط حكومات في رومانيا ودول أوروبية أخرى خلال أزمة الديون السيادية قبل أكثر من عقد، وتحديداً احتجاجات واسعة في 2012 أدت إلى انهيار الحكومة آنذاك.

رغم ذلك، يخطط مسؤولو الحكومة الرومانية لتطبيق هذه الإجراءات بشكل متدرج لتخفيف أثرها الاجتماعي والاقتصادي. تشمل الحزمة الحالية رفع معدل ضريبة القيمة المضافة الأعلى من 19% إلى 21% وزيادة الرسوم على الضرائب الانتقائية، بالإضافة إلى تجميد رفع رواتب القطاع العام والمعاشات التقاعدية حتى عام 2026.

إلا أن الإجراءات الأصعب ما تزال قيد النقاش، مثل إصلاح نظام التقاعد الخاص والقضاء على الامتيازات التقاعدية الخاصة التي تمنح بعض الفئات كالهيئات القضائية تقاعداً مبكراً في أعمار أقل من 50 سنة، بالإضافة إلى إصلاح هيكلة الشركات الحكومية التي تعاني من الفساد والمحسوبية.

في الوقت ذاته، تواجه الحكومة تحركات معارضة واحتجاجات شعبية، يقودها حزب اليمين المتطرف "AUR" بقيادة جورج سيميون، الذي يطالب بإجراء انتخابات مبكرة ويدعو إلى مقاطعة دفع الضرائب، واصفاً الحكومة بأنها "غير شرعية". ويستفيد هذا الحزب من السخط العام المتزايد بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة والفساد المستشري.

على الصعيد الاقتصادي، تعاني رومانيا من تباطؤ النمو الذي بلغ 0.3% فقط في الربع الثاني، وسط تضخم مرتفع يجبر البنك المركزي على إبقاء أسعار الفائدة عند 6.5%. كما تعاني البلاد من أزمة سياسية متواصلة، بعد إلغاء المحكمة الدستورية الانتخابات الرئاسية في ديسمبر بسبب مزاعم تدخل روسي، وهو ما أثر على استقرار الحكومة.

إضافة إلى ذلك، تواجه رومانيا خطر فقدان نحو ربع المساعدات المالية المخصصة لها من صندوق التعافي الأوروبي، بسبب التأخر في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، خاصة المتعلقة بالإصلاحات في قطاع التقاعد وحوكمة الشركات الحكومية. إذ لم تستفد رومانيا حتى الآن سوى من أقل من 10 مليارات يورو من أصل 28.5 مليار يورو مخصصة لها.

وعلى الرغم من هشاشة التحالف الحاكم الذي يشمل أربع أحزاب، ما زال وزير المالية متفائلاً بقدرة الحكومة على الصمود وإنجاز الإصلاحات الضرورية خلال فترة ولايتها التي تمتد لثلاث سنوات.

لكن بعض الخبراء يرون أن المعارضة القوية من حزب "AUR" وتراجع شعبية التحالف الحاكم قد تؤدي إلى تفككه قبل إتمام المدة، مع احتمال تنظيم انتخابات مبكرة خلال العام المقبل.

في الشارع، يظهر المواطنون تفهمهم للحاجة للإصلاحات المالية، لكنهم يعبرون عن استيائهم من تحملهم أعباء عجز الدولة في حين يشتبهون في فساد مسؤولين كبار.

  • كريستينا، مهندسة تبلغ من العمر 49 عاماً، قالت: "المال مطلوب، لكن كل شيء أصبح أغلى بسبب زيادة ضريبة القيمة المضافة. آمل أن يتم معالجة موضوع المعاشات الخاصة التي تبدو مرتفعة للغاية وغير مبررة."

  • ميهاي، عامل يبلغ من العمر 53 عاماً، تساءل: "إذا كنت أنا وغيري ندفع الضرائب، فأين ذهب العجز؟ لابد أن هناك من أخطأ، فليتحمل هو المسؤولية."

تعليقات الزوار