اليابان — التي تعرضت لهجوم نووي كارثي — تقف اليوم كدليل قوي على كيف يمكن للصمود والتخطيط الاقتصادي الذكي أن يحوّلا مصير أمة بأكملها.
منذ أن أدّت الحروب الجمركية التي أطلقها الرئيس ترامب إلى زعزعة التحالفات القديمة وسلاسل الإمداد العالمية، يعاني الاقتصاد العالمي من ضغوط كبيرة. وتُقدّم هذه الاضطرابات دروسًا بالغة الأهمية لدول مثل باكستان، التي اعتمدت في الغالب على القروض الخارجية لتلبية احتياجاتها المالية.
في وقت تواجه فيه باكستان نقطة تحول حاسمة، وأزمة اقتصادية هيكلية، وضغوط ديون خارجية متزايدة، ومشهدًا تجاريًا عالميًا سريع التحول، فإن هناك حاجة ملحّة للتعلم من تجارب الدول المتقدمة. وفي هذا السياق، تظهر اليابان — الدولة التي تعرضت لقصف نووي مدمر — كمثال قوي على قدرة الشعوب على النهوض عبر التخطيط السليم.
القصف النووي على هيروشيما وناغازاكي، الذي أنهى الحرب العالمية الثانية، لم يدمر فقط البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لليابان، بل أودى بحياة ما بين 2.6 إلى 3.1 مليون شخص، وتسبب بخسائر مالية قُدرت بـ56 مليار دولار. ومع ذلك، وبعد مرور 80 عامًا على القصف، تقف اليابان اليوم كثالث أكبر اقتصاد في العالم بإجمالي ناتج محلي يبلغ 4204.49 مليار دولار. ويُعرف هذا الإنجاز باسم "المعجزة الاقتصادية اليابانية".
ورغم مرور ما يقارب 80 عاماً على نهاية الحرب، لا تزال العديد من عناصر التجربة اليابانية صالحة للتطبيق في دول مثل باكستان، التي تعاني من أزمات اقتصادية مستمرة. لذلك، فإن النموذج الياباني يقدم فرصة فريدة لباكستان لتجاوز أزمتها.
مع نهاية الحرب، فقدت اليابان أكثر من ربع قدرتها الصناعية. ومن المثير للاهتمام أن باكستان كانت من الدول القليلة التي قدمت يد العون لليابان المدمرة. فعندما رفعت باكستان الحظر عن تصدير القطن لليابان، أصبحت كراتشي من بين المدن المفضلة لليابان في الانخراط الاقتصادي.
هنا يُطرح سؤال مهم: كيف نجحت دولة مدمرة تكبدت خسائر بأكثر من 50 مليار دولار في تحقيق تعافٍ اقتصادي مدهش في فترة قصيرة؟ وماذا يمكن أن تتعلم باكستان من السياسات الاقتصادية اليابانية التي تركزت حول التصنيع، والتوطين، والابتكار، والحوكمة؟
في الفترة بين 1955 و1990، شهدت اليابان نهضة اقتصادية مذهلة، عُرفت بـ "المعجزة الاقتصادية اليابانية". فقد نما الاقتصاد الياباني بمعدل سنوي قدره 10٪ منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى أزمة النفط العربية في أوائل السبعينيات. وعلى الرغم من أزمة النفط، فإن اليابان حافظت على نمو مستقر حتى أوائل التسعينيات.
أحد العوامل الرئيسية وراء هذه المعجزة هو قدرة اليابان على الاستفادة من خصائصها الفريدة في تطوير وتطبيق التقنيات والمعرفة الفنية المستوردة من الخارج بشكل عملي. وأهم ما في الأمر أن هذه التقنيات لم تُثمر إلا عندما تم دمجها مع القدرات المحلية. هذا التوطين للتكنولوجيا غائب إلى حد كبير في حالة باكستان. صحيح أن اليابان اعتمدت في البداية على المساعدات الأميركية (الاقتصادية والعسكرية) لتجاوز أزمتها، لكنها سرعان ما أدركت أنه من دون توطين تلك التكنولوجيا، ستظل تابعة للولايات المتحدة. لذلك، شرع صانعو السياسات اليابانيون في تبني سياسات تركز على التوطين، وهو ما لم تفعله باكستان قط.
اليوم، أصبحت السيارات اليابانية والمعدات الإلكترونية جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية في أوروبا وآسيا. ويعود الفضل في ذلك إلى الجودة الاستثنائية والأسعار التنافسية. ومن أجل تقليل الاعتماد على الاستيراد التكنولوجي، يجب على باكستان أن تتبنى التوطين وأن تدعم التقنيات المحلية لتعزيز الاستقلالية الاقتصادية. فحتى الهند، ضمن مبادرة "صُنع في الهند"، قدمت حوافز كبيرة للاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع التكنولوجيا.
عامل آخر لا يقل أهمية عن سابقيه في نجاح التجربة اليابانية هو نظام التعليم. ففي الوقت الذي يُستخدم فيه التعليم في باكستان كوسيلة لمنح الشهادات فقط، يُعد التعليم في اليابان حجر الزاوية في نهضة البلاد. ويتميز بجودة متسقة على مستوى الدولة، بفضل الرقابة الحكومية الصارمة والثقافة المتجذرة التي تركز على التفوق الأكاديمي. ويهدف النظام التعليمي الياباني إلى تزويد الطلبة بالمهارات العملية، والانضباط، وأخلاقيات العمل، وليس مجرد نقل المعرفة النظرية. لذا، فإن الخريجين اليابانيين جاهزون مباشرة للاندماج في سوق العمل، ما يُسهم بشكل مباشر في نمو الاقتصاد.
وفي عام 2024، خصصت اليابان حوالي 5.47 تريليون ين من موازنتها العامة للإنفاق على التعليم والعلوم، أي ما يعادل 4٪ من الناتج المحلي الإجمالي. بالمقابل، خصصت باكستان في موازنة 2023-2024 ما يُقارب 97.098 مليار روبية للتعليم، ما يمثل 1.7٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي — وهو الأدنى في المنطقة. هذا القصور في التمويل لا يحد فقط من الوصول والجودة، بل يُقوّض قدرة باكستان على استغلال إمكانات شبابها الذين يشكلون 60٪ من السكان.
اليوم، تواجه باكستان تحديات اقتصادية هائلة. واستلهامًا من نظام التعليم الياباني — خصوصًا تركيزه القوي على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي — يمكن لباكستان أن تبدأ في تحديث بنيتها التعليمية بهدف خلق قوة عاملة ماهرة قادرة على دفع عجلة الابتكار وتعزيز الموقع الاقتصادي للبلاد على الساحة الدولية. صحيح أن هذا ليس طريقًا مختصرًا للتنمية، لكنه خطوة ضرورية تملك القدرة على تحويل الواقع الاقتصادي لباكستان.
تعليقات الزوار