الهند بين المطرقة الأمريكية وسندان الحاجة للطاقة الرخيصة

احمد الوندي - الخبير في مخاطر أمن الطاقة

التقرير الجيوسياسي (خاص)

صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الاثنين، إنه سيقوم برفع الرسوم الجمركية على الهند "بشكل كبير" بسبب استمرارها في شراء النفط الروسي، في وقت أبدى فيه القادة الهنود مقاومتهم للضغوط الأمريكية وسط تدهور سريع في العلاقات بين واشنطن ونيودلهي. وكتب ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي: "الهند لا تشتري كميات هائلة من النفط الروسي فحسب، بل تقوم ببيع جزء كبير من هذا النفط في السوق المفتوحة لتحقيق أرباح كبيرة. إنهم لا يهتمون بعدد الأشخاص الذين يُقتلون في أوكرانيا بواسطة آلة الحرب الروسية".

وعلى الرغم من أن الهند ليست مشتريا وبائعا للنفط الخام الروسي بشكل مباشر، فإن مصافي البلاد تشتري النفط الخام الروسي بأسعار مخفضة نسبيًا بسبب الضغوط الغربية، وقامت بعض المصافي، بما في ذلك "Reliance" و"Nayara"، بتصدير منتجات مشتقة مثل الديزل ووقود الطائرات إلى السوق العالمية بأسعار السوق، مما عزز أرباحها.

لم يحدد ترامب مقدار الرسوم الجمركية التي ستُفرض على الصادرات الهندية إلى الولايات المتحدة. وفي الأسبوع الماضي، قال إنه سيفرض رسومًا جمركية بنسبة 25% على السلع الهندية بدءاً من 8 اب، ما يمثل ضربة للمفاوضات التجارية بين نيودلهي وواشنطن. كما أكد ترامب إنه سيفرض "عقوبة" إضافية غير محددة على الهند بسبب وارداتها من النفط الخام الروسي وشرائها للأسلحة من روسيا.

وعلى صعيد متصل، ردت وزارة الخارجية الهندية بلهجة حادة، مشيرة إلى ان ما حصل هو نفاق امريكي؛ حيث تتاجر الولايات المتحدة مع روسيا في اليورانيوم والبلاديوم والأسمدة، وكذلك استمرار الاتحاد الأوروبي في تجارة الطاقة مع موسكو.

وجاء في بيان وزارة الخارجية الهندية: "استهداف الهند من قبل الولايات المتحدة غير مبرر وغير معقول. مثل أي اقتصاد كبير، ستتخذ الهند جميع الإجراءات اللازمة لحماية مصالحها الوطنية وأمنها الاقتصادي". وأضاف البيان: "واردات الهند تهدف إلى ضمان تكاليف طاقة متوقعة وبأسعار معقولة للمستهلك الهندي".

وقد هدد ترامب بفرض ما يسمى بالرسوم "الثانوية" على مستوردي الطاقة الروسية، بما في ذلك كبار مستوردي النفط الخام مثل الهند والصين والبرازيل، الذين ترى الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون أنهم يساعدون في تمويل الحرب الروسية في أوكرانيا.

وتصاعدت هذه التهديدات في الأيام الأخيرة قبيل الموعد النهائي المعجل الذي حدده ترامب في 8 اب لكي توافق موسكو على وقف إطلاق النار والدخول في محادثات سلام مع أوكرانيا، وإلا ستواجه جولة جديدة من العقوبات المباشرة. ومن المقرر أن يتوجه المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف إلى روسيا يوم الأربعاء أو الخميس، بحسب ما ذكره الرئيس، قبل حلول الموعد النهائي.

وكان ترامب قد حدد في وقت سابق الموعد النهائي لوقف إطلاق النار في أوائل ايلول، لكنه قرب الموعد وسط تصاعد الهجمات الصاروخية والمسيرات الروسية على أوكرانيا.

المصافي الهندية في حالة ترقب

شكلت روسيا حوالي 40% من إمدادات النفط الخام للهند في السنوات الثلاث الماضية، حيث استفادت المصافي الهندية من الخام الروسي المخفض الأسعار عقب الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في أوائل 2022 وما تلاه من عقوبات غربية.

وحتى الآن هذا العام، استوردت الهند نحو 1.7 مليون برميل يومياً من الخام الروسي، وفقًا لبيانات وكالة "Kepler".

وقد تمت معظم مشتريات الهند من النفط الروسي بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، الذين كانت سياسات عقوباتهم تهدف إلى إعادة توجيه تدفقات الخام وضرب عائدات الطاقة الروسية مع الحفاظ على استقرار أسواق النفط. إلا أن هذه السياسة تظهر الآن بوادر تغير.

وتضررت المصافي الهندية بالفعل من العقوبات التي أعلنها الاتحاد الأوروبي في يوليو والتي تستهدف بشكل مباشر مصفاة "Nayara" البالغة طاقتها 400 ألف برميل يوميا في "Vadenar"، الهند، التي تديرها شركة " Rosneft" الروسية المملوكة للدولة. وتحظر تدابير الاتحاد الأوروبي استيراد لمنتجات الوقود المصنعة من الخام الروسي اعتباراً من كانون الثاني 2026، في محاولة لسد ثغرة طالما دعا مؤيدو العقوبات المشددة على روسيا إلى إغلاقها. ومع ذلك، من غير الواضح كيف سينفذ الاتحاد الأوروبي هذا الحظر.

وصرح ترامب للصحفيين يوم الجمعة إنه "سمع" أن الهند لن تشتري النفط الخام من روسيا بعد الآن، في إشارة على ما يبدو إلى تقارير تفيد بأن المصافي الهندية أبطأت أو أوقفت مشترياتها من الخام الروسي حتى تتضح تصريحات ترامب.

وأضاف: "لا أعرف إن كان ذلك صحيحًا أم لا، لكنه خطوة جيدة".

وقد يؤثر هذا التوقف على شحنات الخام الروسي في ايلول لأن العقود لتأمين الكميات لشهر مسبق تُبرم عادة في هذه الفترة، وفقًا لمصادر في قطاع التكرير. وقالت المصادر إن المصافي كانت تخطط بالفعل لتقليص مشترياتها من الخام الروسي بسبب حالة عدم اليقين الجيوسياسي وتراجع هوامش معالجة خام الأورال المتوسط الحامضي.

وقد تقلصت الخصومات على الخام الروسي المسلّم إلى الهند، المحتسبة من خام برنت على أساس التسليم، إلى أدنى مستوياتها القياسية بنحو 2 دولار للبرميل، وهو أقل من نصف خصومات العام الماضي وجزء بسيط من 15 دولارًا للبرميل التي حصلوا عليها في أوائل 2023، مباشرة بعد إعلان دول مجموعة السبع عن سقف سعري قدره 60 دولارًا للبرميل للخام الروسي. وقد تدفع هذه الخصومات الضعيفة المصافي إلى تقليص مشترياتها من روسيا.

الاستنتاجات

- على المستوى العالمي: سيؤدي تراجع الهند عن النفط الروسي إلى إعادة رسم خريطة صادرات الخام، حيث ستتحول كميات كبيرة من الطلب إلى منتجين في الشرق الأوسط وآسيا مثل العراق والسعودية والإمارات؛ هذا التحوّل سيزيد من التقلبات السعرية ويعزّز دور الأسواق الفورية (spot markets)، وقد يدفع المشترين للتنويع السريع نحو بدائل مثل الغاز المسال أو مصادر الطاقة المتجددة لتقليل المخاطر الجيوسياسية.

- بالنسبة للعراق: يمثل هذا السياق فرصة لرفع صادرات الخام وتعزيز حصته السوقية في آسيا، ما يتيح إعادة التفاوض على عقود التصدير طويلة الأجل بشروط أكثر تنافسية ومرونة سعرية اوسع.

تعليقات الزوار