اتفاقيات ترامب التجارية تفتقر إلى التفاصيل التنفيذية والوضوح القانوني

احمد الوندي - الخبير في مخاطر أمن الطاقة

التقرير الجيوسياسي (خاص)

تظهر صادرات الطاقة الأمريكية والالتزامات الاستثمارية زخماً في إطار اتفاقيات التجارية التي أبرمها الرئيس دونالد ترامب، رغم أن هذه الاتفاقيات تفتقر إلى التفاصيل الدقيقة. حيث أضاف ترامب هذا الأسبوع ثلاث اتفاقيات تجارية إطارية جديدة مع اليابان وإندونيسيا والفلبين، وذلك استكمالاً لاتفاقيات سبق الإعلان عنها مع فيتنام والمملكة المتحدة، مع اقتراب الموعد النهائي في 1 آب/أغسطس الذي حدده لعشرات الدول للتوصل إلى اتفاق تجاري أو مواجهة زيادات كبيرة في الرسوم الجمركية.

وأشاد البيت الأبيض بـ “توسيع كبير لصادرات الطاقة الأمريكية إلى اليابان"، إلى جانب التزام ياباني بقيمة 550 مليار دولار لتوفير رأس المال وضمانات ائتمانية وتمويل لمشاريع كبرى داخل الولايات المتحدة. وقد يشمل ذلك مشروع الغاز الطبيعي المسال في ألاسكا بقيمة 44 مليار دولار، والذي تسعى الإدارة الأمريكية إلى جذب شركاء تجاريين آسيويين للاستثمار فيه.

وقال ترامب للمشرعيين الأمريكيين يوم الثلاثاء: "هم يشكّلون مشروعاً مشتركاً معنا في ألاسكا، كما تعلمون، من أجل الغاز الطبيعي المسال. إنهم مستعدون لإبرام الصفقة الآن". لكن، كما هو الحال مع كثير من أجندة ترامب التجارية، لم يتم توقيع أي اتفاقيات شراء طاقة رسمية مرتبطة بهذه الاتفاقيات، ولم تظهر سوى القليل من التفاصيل باستثناء معدل الرسوم الجمركية الأمريكي الرئيسي، الذي انخفض في حالة اليابان من 25% إلى 15%، وهو رقم لا يزال مرتفعاً تاريخياً، وسيتضمن السيارات اليابانية. وبينت احدى الباحثات في مركز الأمن الأمريكي الجديد، إن "من الأسهل التعهد بالاهتمام بدلاً من التنفيذ" فيما يتعلق بشراء الطاقة والاستثمار.

وأضافت في مذكرة: "قد يكون البعض متفائلاً بشأن مشروع ألاسكا باهظ التكلفة، لكن قد يكون ذلك سابقاً لأوانه". وأضافت: "ستحتاج الولايات المتحدة إلى تقديم نتائج ملموسة لجذب الاستثمار. وتشير الرسائل الجمركية الأخيرة إلى موافقات سريعة وروتينية وموثوقة، ويبدو أن وزارة الخزانة تجرب آلية جديدة للمستثمرين، لكن لم تُكشف بعد التفاصيل".

أما الاتفاقية الإطارية مع إندونيسيا فقد أزالت 99% من الحواجز الجمركية على الصادرات الأمريكية إلى رابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وفقاً للبيت الأبيض، في حين تم تحديد الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع الإندونيسية عند 19%. كما وافقت إندونيسيا على شراء منتجات طاقة أمريكية، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال والنفط الخام والبنزين، بقيمة تقدر بـ15 مليار دولار.

اتفاقيات على الورق

أحد الاستنتاجات من الاتفاقيات المعلنة حتى الآن هو أن الرسوم الجمركية الأساسية من المرجح أن تظل أعلى من نسبة 10% التي أعلن عنها ترامب سابقاً، بينما قد تتمكن بعض الدول من التفاوض على رسوم قطاعية أقل أو حصص، مثل تلك المتعلقة بالفولاذ والألمنيوم، وربما الرسوم القادمة على النحاس.

ورغم أن ترامب يسميها "اتفاقيات تجارية"، إلا أنها في الواقع اتفاقيات إطارية تفتقر إلى الطابع الدقيق للاتفاقيات التجارية التقليدية. فعلى سبيل المثال، اوضحت ورقة معلومات البيت الأبيض بشأن الاتفاقية الإطارية مع إندونيسيا إنه "خلال الأسابيع المقبلة"، ستتفاوض الولايات المتحدة وإندونيسيا لوضع اللمسات النهائية على الاتفاق قبل أن يتم التوقيع عليه ويخضع لـ"الإجراءات الرسمية المحلية قبل دخوله حيز التنفيذ".

ومع الإعلان عن أول مجموعة من الاتفاقيات الإطارية، تسارع دول أخرى لإبرام اتفاقاتها الخاصة. فكوريا الجنوبية، التي سعت إلى الاستفادة من خبرتها في بناء السفن وشراء الطاقة الأمريكية ضمن المفاوضات التجارية، تنظر الآن إلى اليابان كنموذج محتمل. كما أن الاتحاد الأوروبي، الذي تحدث بدوره عن شراء المزيد من الطاقة الأمريكية والاستثمار، يدفع أيضاً إلى إتمام أي اتفاق قبل الأول من آب/أغسطس.

وصرحت نائبة رئيس معهد سياسة آسيا، خلال ندوة استضافتها رابطة التجارة الدولية في واشنطن يوم الجمعة: "الاتفاق مع اليابان يمثل نقطة تحول. سيضع ضغوطاً على دول أخرى، وخصوصاً الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية، هذا الأسبوع للتوصل إلى اتفاق" وصرح ترامب يوم الجمعة، قبل مغادرته إلى اسكتلندا لمناقشة التجارة مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إن هناك "فرصة بنسبة 50-50" للتوصل إلى اتفاق.

تصاعد المفاوضات مع الصين

من المقرر أن يعقد المفاوضون الأمريكيون والصينيون جولة جديدة من المحادثات التجارية في ستوكهولم مطلع الأسبوع المقبل، حيث يسعى الجانبان إلى تمديد هدنة الرسوم الجمركية لما بعد الموعد النهائي في 12 آب/أغسطس.

وقد تراجعت قضايا الطاقة إلى المرتبة الثانية في المحادثات التي تركز بشكل أكبر على إعادة التوازن إلى العلاقة التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.

فقد تراجعت واردات الصين من الغاز الطبيعي المسال والنفط الخام الأمريكي منذ تولي ترامب منصبه، مع استمرار فرض الصين رسوماً جمركية تتراوح بين 10% و15% على منتجات الطاقة الأمريكية. وقد تحدث وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، الذي يقود المفاوضات مع الصين، عن حث الصين على شراء المزيد من السلع الأمريكية، لكنه لم يتحدث كثيراً عن الطاقة. بل أشار هذا الأسبوع إلى موضوع الطاقة في سياق مشتريات الصين من النفط الروسي والإيراني، قائلاً إنه يخطط لإثارة هذه القضية في سياق المحادثات التجارية.

وقال بيسنت لقناة "فوكس بزنس" يوم الخميس: "سنتحدث عن حقيقة أنهم يشترون نفطاً إيرانياً وروسياً خاضعاً للعقوبات. كما تعلمون، إذا أوقفوا تلك المشتريات لمدة 3 أو 6 أشهر، أعتقد أن آلة الحرب الروسية ستتوقف، وستكون المفاوضات مع إيران أسهل بكثير. لدينا مجموعة كاملة من القضايا سنتناولها".

الاستنتاجات

- رؤية ترامب التجارية تتقاطع كثيرا مع الرؤية السياسية، حيث ان رؤيته لا تتطابق كثير من الأحيان مع ديناميات العلاقات الدولية والاسس التي شكلتها نظام القطب الواحد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وان هيكلية هذا النظام تعتمد بشكل كبير على المؤسسات التي ساهمت الولايات المتحدة الامريكية في تشكيلها بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا يتعلق باولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

الاتفاق مع الدول الاسيوية يختلف عن الاتفاق مع الصين، خصوصا مع تداخل المصالح المالية والاقتصادية للبلدين ومن الصعوبة ان يتوقع احد انهيار حقيقي للعلاقات ولكن ما يحصل هو تكتيك لغرض التفاهم لمرحلة اقتصادية جديدة لا تتوقف عن فرض تعريفات كمركية جديدة وانما تحديد أنماط جديدة للتجارة العالمية وانعكاساتها على البلدين.

تعليقات الزوار