المخاطر البيئية للحرب بين إيران واسرائيل

رغم إعلان هدنة هشّة في الحرب بين إيران وإسرائيل، يتجه التصعيد العسكري نحو سيناريوهات أشدّ خطورة، غالبًا ما تتركز التحليلات حول أبعادها الأمنية ومخاطرها على أسواق الطاقة، لكن جانبًا بالغ الأهمية يُقصى من المشهد، وهو البعد البيئي للصراع.

فالشرق الأوسط، أحد أكثر المناطق هشاشة مناخية وندرة في الموارد الطبيعية، يواجه اليوم تهديدًا مضاعفًا نتيجة التقاء العنف الجيوسياسي مع ضعف الإدماج البيئي في السياسات الأمنية.

وبينما ينشغل صنّاع القرار بمسارات الصواريخ وأسعار النفط، تمرّ المخاطر البيئية المحتملة دون إنذار كافٍ.

يأتي ذلك رغم ما تحمله الحرب بين إيران وإسرائيل من مخاطر إشعاعية وكيميائية وبحرية لا تهدد استقرار الإقليم فحسب، بل منظومة الأمن البيئي العالمي، وتكشف هشاشة الردع الدولي، وغياب آليات حماية فعّالة للطبيعة في زمن الحروب.

مخاطر الحرب بين ايران وإسرائيل

الحرب بين دولتين تمتلكان منشآت نووية متطورة، وبُنى تحتية طاقية واسعة، وحدودًا بحرية حسّاسة، كما هو الحال في الحرب بين إيران وإسرائيل، لا تُعدّ صدامًا عسكريًا عاديًا، بل تمثّل تهديدًا شاملًا للأمن البيئي على المستويين الإقليمي والدولي.

فإلى جانب التداعيات العسكرية والأمنية المباشرة، تبرز مخاطر بيئية جسيمة ترتبط بطبيعة البنى التحتية المستهدفة، وموقعها الجغرافي، ومدى جاهزية أنظمة الأمان في حالات الطوارئ.

أولًا: البنية التحتية قنبلة بيئية موقوتة

لا يمكن إغفال ما حدث في أبريل/نيسان 2025 بميناء "شاهيد رجائي" ببندر عباس جنوب إيران، إذ أدى انفجار ضخم إلى انبعاث غازات سامة وتلوّث الشريط الساحلي، نتيجة سوء تخزين المواد الكيميائية، وفقًا لما نقلته شبكة "إيران الدولية" في تقرير ميداني بتاريخ 29 أبريل/نيسان 2025.

الحادث، الذي سبق التصعيد العسكري، يُعدّ مؤشرًا على ضعف إدارة المخاطر البيئية في المنشآت الصناعية، ما يزيد من هشاشة النظام البيئي ويُفاقم تداعيات أيّ مواجهة لاحقة.

في هذا السياق، أدى استهداف منشآت نووية في مدينة أصفهان وموقع نطنز إلى تحذيرات من الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن احتمال تسرب إشعاعي، لا سيما في ظل تعرّض أنظمة التبريد والتأمين لأضرار.

وفي إسرائيل، تسبَّب القصف الصاروخي على مستشفى "سوروكا" في بئر السبع بتدمير البنية التحتية الطبية وتسرب مواد كيميائية وطبية إلى شبكة المياه، ما يمثّل تهديداً مباشراً للصحة العامة والنظام البيئي الحضري.

إضافة إلى ذلك، تفاقمت أزمة المياه في إيران كثيراً بفعل الحرب، فالدولة التي تعاني أصلًا من جفاف مزمن، وجدت نفسها عاجزة عن تأمين الحدّ الأدنى من معالجة المياه بسبب انقطاع الكهرباء ونقص المواد الكيميائية الأساسية.

وذكر تقرير لموقع"المونيتور" أن "الحرب عمّقت عجز إيران عن إدارة مواردها المائية، وزادت من مخاطر تفشّي الأمراض المرتبطة بالمياه الملوثة، خاصة في المناطق الريفية".

ثانياً: الجغرافيا البحرية تحت التهديد

يُعدّ مضيق هرمز نقطة اختناق إستراتيجية لا تقل أهمية بيئية عن أهميته الاقتصادية، إذ يمرّ عبره نحو 20% من صادرات النفط العالمية، ويقع ضمن منطقة شديدة الحساسية إيكولوجيًا.

وأيّ استهداف للسفن أو المنشآت النفطية في هذا المضيق، سواء بالصواريخ أو الألغام البحرية، يهدد بتسربات نفطية كارثية.

وحذّرت وكالة بلومبرغ في تقرير نُشر في أبريل/نيسان 2025 من أن استمرار التوترات "يضع مضيق هرمز على حافة أزمة بيئية محتملة، بسبب كثافة حركة الشحن وخطر الاستهداف".

ولا يقتصر الخطر على الانسكابات النفطية فحسب، بل يشمل أيضاً اندلاع حرائق بحرية نتيجة ضرب ناقلات الوقود أو الحقول البحرية، مما يُلحق أضراراً مباشرة بالشعاب المرجانية، ويهدد المخزون السمكي، ويقوّض الأمن الغذائي البحري لدول الخليج.

وفي شرق المتوسط، تتعرض منشآت الغاز الطبيعي لمخاطر مشابهة، خاصة مع التهديدات المتكررة التي طالت حقل "ليفياثان" البحري الإسرائيلي.

وتكمن الخطورة في احتمال تعطّل الأنابيب تحت سطح البحر، أو تسرّب غازات سامة جراء الانفجارات أو الأعطال التقنية، مما يهدد بتلويث بيئة بحرية تعاني أصلًا من ضغط الأنشطة الاقتصادية والسياحية، ويقوّض جهود التحول نحو الطاقة النظيفة في المنطقة.

ثالثاً: البيئة خارج معادلات الردع الدولية

رغم ما تنطوي عليه المخاطر من تهديدات تتجاوز الحدود، فإن البيئة تبقى خارج معادلات الردع السياسي والقانوني، فمجلس الأمن فشل في إقرار آلية لحماية البيئة خلال النزاعات، كما لم تُفضِ اتفاقية باريس ومؤتمرات المناخ إلى ميثاق دولي يجرّم الضرر البيئي الناتج عن الحروب، أو ينصّ على آليات رصد ومساءلة واضحة.

الفراغ القانوني يسمح بتحويل الطبيعة إلى "خسارة جانبية" تُسجَّل دون عقاب، ويمنح الأطراف المتحاربة هامشاً واسعاً لتجاهل التزاماتها البيئية في زمن الأزمات. ومع استمرار استهداف المنشآت النووية والطاقية، وتعطيل المنشآت المائية والصحية، تزداد احتمالات انهيار الأنظمة البيئية في مناطق النزاع، بشكل قد لا يكون قابلًا للإصلاح، حتى بعد انتهاء الحرب.

إن دمج معايير الحماية البيئية في قوانين الحرب لم يعد ترفاً تنظيمياً أو نداءً إنسانياً فقط، بل ضرورة إستراتيجية لحماية حقّ الحياة ذاته. فبينما يمكن إعادة إعمار المدن بعد التسويات، قد لا تستعيد النظم البيئية المدمَّرة توازنها أبدًا.

 د.منال سخري - خبيرة وباحثة في السياسات البيئية.

 

تعليقات الزوار