في خطوة أثارت حيرة وقلق الأوساط الطبية، أعلن وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكي روبرت إف. كينيدي جونيور إلغاء توصية مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) بشأن تطعيم الأطفال الأصحاء والحوامل ضد فيروس كورونا، وذلك في مقطع فيديو مدته دقيقة واحدة نُشر على منصة "إكس" (تويتر سابقًا) في 27 أيار/مايو.
وظهر كينيدي إلى جانب كل من مفوض إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) مارتي مكاري، ومدير المعاهد الوطنية للصحة جاي باتاتشاريا. ولم يوضّح الوزير ما إذا كان القرار يشمل الجرعات الأولى فقط، أم يشمل أيضاً الجرعات المعززة، مما زاد من حالة الغموض المحيطة بالسياسة الجديدة.
ردود متباينة بين الأطباء والخبراء
حتى تاريخ نشر الفيديو، لم يُحدث موقع وزارة الصحة الأمريكية أي تغيير واضح في توصياته، حيث ما زال يؤكد أن اللقاحات "متاحة للجميع بدءًا من عمر 6 أشهر"، مشيراً إلى أنها "أفضل وسيلة للحماية من فيروس كوفيد-19".
كما أن آخر تحديث لموقع CDC يعود إلى 7 كانون الثاني/يناير – قبل تولي كينيدي المنصب – ويُكرر التوصية العامة بالتطعيم.
وقد رأى بعض الخبراء أن انخفاض معدلات الإصابة الحادة لدى الأطفال قد يبرر تقليص نطاق التوصية الفيدرالية، فيما حذر آخرون من أن هذه الخطوة قد تعرقل وصول الأطفال والحوامل إلى اللقاحات، خصوصاً إذا امتنعت شركات التأمين عن تغطيتها بناءً على السياسة الجديدة.
يُذكر أن معدلات التحصين الحالية لا تزال منخفضة، حيث تلقى 13٪ فقط من الأطفال، و14.4٪ من الحوامل الجرعة المحدّثة من لقاح 2024-2025، وفق CDC.
كينيدي: لا بيانات سريرية كافية لدعم الجرعات المعززة للأطفال
برّر كينيدي قراره بالقول إن إدارة بايدن أوصت العام الماضي بتطعيم الأطفال الأصحاء "رغم غياب أي بيانات سريرية تدعم الاستراتيجية المعززة المتكررة"، وهو ما يتناقض مع توصيات اللجنة الاستشارية لممارسات التطعيم التابعة لـCDC، التي تقضي بإعطاء جرعات سنوية للأطفال دون الحاجة إلى تجارب سريرية جديدة في كل نسخة، أسوة بلقاح الإنفلونزا.
وقال مارتي مكاري إن "لا دليل على حاجة الأطفال الأصحاء للقاح"، وهو ما أثار جدلاً واسعاً. ورغم أن معظم الأطفال لا يواجهون خطراً شديداً من الفيروس، إلا أن بعض الأطباء يشيرون إلى أن عدداً منهم لا يزال يُصاب بمضاعفات، وأن حالات دخول المستشفى خلال موسم 2024-2025 شملت 4٪ من الأطفال والمراهقين. كما بيّنت البيانات أن الأطفال الرضّع دون الستة أشهر هم الأكثر عرضة لدخول المستشفى بسبب الفيروس.
الحوامل هدف للوقاية – وانتقادات لقرار كينيدي
أما فيما يتعلق بالحوامل، فقد أعربت الكليات الطبية المختصة عن استيائها من التوصية الجديدة. وصرّح رئيس الكلية الأمريكية لأطباء النساء والتوليد بأن "إصابة الحامل بكوفيد قد تؤدي إلى إعاقات جسيمة أو نتائج مأساوية"، مؤكداً أن "التطعيم أثناء الحمل يوفّر حماية مزدوجة للأم والرضيع".
وأظهرت دراسة أُجريت عام 2024 على 67 دراسة أن النساء الحوامل الملقحات بالكامل تقلّ احتمالية إصابتهن بكوفيد بنسبة 61٪.
سياسات دولية مشابهة؟
أشار مكاري إلى أن سياسة بلاده باتت "مشابهة لمعظم دول العالم"، إذ إن العديد من الدول توصي بتطعيم الأطفال فقط في حال وجود أمراض مزمنة أو ضعف في المناعة. وأكد باحثون من جامعات أمريكية وأوروبية أن معظم الدول باتت تكتفي بتطعيم الفئات المعرضة للخطر، خصوصاً مع تراجع حدة المتحوّرات وانتشار المناعة المجتمعية.
الخطوة التالية: هل يؤيدها الخبراء؟
من المقرر أن تعقد اللجنة الاستشارية للتطعيمات اجتماعاً في حزيران/يونيو، ويتوقّع بعض الأطباء أن تُقر اللجنة توصيات أقل شمولاً، وربما تقارب التوصيات الجديدة التي أصدرها كينيدي. لكن من المرجح أن تظل الحوامل ضمن الفئات التي يُوصى بتطعيمها، خاصة مع التباين الحاد بين تصريحات المسؤولين والأدلة العلمية المتوفرة.
تحليل: هل يُعيد RFK Jr تشكيل السياسة الصحية الأمريكية؟
يعكس القرار الجديد تحوّلاً جذرياً في نهج الحكومة الأمريكية تجاه جائحة كوفيد، لا سيما مع تعيين كينيدي – المعروف بتشكيكه الطويل في اللقاحات – على رأس وزارة الصحة. وبينما يشير البعض إلى أن القرار يقترب من الواقع الوبائي الحالي، يحذّر آخرون من أنه قد يُعرّض فئات ضعيفة للخطر ويُقوّض ثقة الجمهور في الصحة العامة.
تعليقات الزوار