تقرير: المكاسب والمخاطر الروسية في ظل الحرب التجارية الأمريكية-الصينية

منذ تصعيد العقوبات الغربية على روسيا عقب تدخلها العسكري في أوكرانيا عام 2022، وجدت موسكو نفسها مضطرة لتعميق تحالفها مع بكين لمواجهة الضغوط الأمريكية والأوروبية. واليوم، ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ترى روسيا أن هذه التحولات الجيوسياسية قد توفر فرصًا استراتيجية لتعزيز مكانتها العالمية.

أولاً: نظرة روسية براغماتية – المكاسب الممكنة

يرى محللون روس أن الحرب التجارية بين واشنطن وبكين تحقق نتائج "إيجابية تكتيكيًا وإن كانت إشكالية استراتيجيًا"، على حد وصف سيرغي ماركوف، المستشار السابق للرئيس بوتين. فهذه الحرب تُضعف التماسك داخل التحالف الغربي وتخلق تباينًا في المواقف، خاصة بين أوروبا والولايات المتحدة، وهو ما يصب في مصلحة موسكو.

تعزيز العلاقات مع الصين: تؤدي التوترات التجارية إلى زيادة اعتماد الصين على روسيا في مجالات الطاقة والموارد الطبيعية، وخاصة الفحم والنفط والغاز.

فرص في المعادن النادرة: مع فرض الصين حظرًا على تصدير المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة، باتت موسكو خيارًا بديلاً محتملاً لواشنطن في هذا المجال الحيوي، رغم العقوبات الغربية.

توازن في الشراكة مع بكين: الحرب التجارية تعزز موقف روسيا أمام الصين، مما يمنحها هامشًا أكبر للتفاوض ويقلل من تبعيتها الاقتصادية لبكين.

إشارات لتقارب أمريكي-روسي محدود: لقاءات رفيعة المستوى جرت مؤخرًا بين مبعوثي ترامب وممثلي بوتين، في مؤشر على إمكانية فتح قنوات تعاون اقتصادي محددة في مجالات مثل الطاقة، المعادن، وحتى الفضاء.

ثانياً: المخاطر المحتملة – الاقتصاد الروسي تحت المجهر

رغم المكاسب المحتملة، لا تخلو الحرب التجارية من تهديدات حقيقية للاقتصاد الروسي، خاصة في حال تفاقم الأزمة على المستوى العالمي.

انخفاض أسعار الطاقة: أي ركود اقتصادي عالمي ناتج عن الحرب التجارية سيؤدي إلى تراجع أسعار النفط، ما سيؤثر مباشرة على إيرادات روسيا التي تعتمد على الطاقة بنسبة تفوق 30% من موازنتها.

تعقيد العلاقات مع أوروبا: في حال تقارب أوروبا مع الصين اقتصاديًا كرد فعل على الرسوم الأمريكية، قد تجد روسيا نفسها معزولة أكثر ضمن النظام الاقتصادي العالمي.

الضغوط الداخلية: البنك المركزي الروسي ووزارة المالية يتابعان تطورات الأزمة باهتمام بالغ، تحسباً لأي اضطرابات في الأسواق قد تؤثر على الاستقرار المالي الداخلي.

ثالثاً: تحديات لعالم جديد

وفق تعبير ماركوف، فإن "العالم لم يعد كما كان"، مشيراً إلى أن التداخل بين السياسة والتجارة يعيد رسم خريطة الاقتصاد العالمي. ويؤكد أن "روسيا، كغيرها من الدول، ستواجه بيئة اقتصادية أكثر تجزؤاً، وسيتعين على الشركات الروسية والدولة تبني نماذج جديدة في التعامل مع عالم تسوده الاضطرابات الجيوسياسية".

الخلاصة:

بين الفرص الجيوسياسية والتهديدات الاقتصادية، تحاول روسيا لعب دور المستفيد من تناقضات القوى الكبرى. وفي ظل تشابك المصالح العالمية، تعتمد موسكو على مهاراتها في المناورة لتعزيز مكانتها كقوة محورية بين واشنطن وبكين. إلا أن تحقيق هذا الهدف يبقى رهينًا بقدرة موسكو على التكيف مع عالم سريع التحول، لا يتسع للجمود ولا يُجامل الضعفاء.

تعليقات الزوار