تحويل التمويل البحثي إلى أداة سياسية في الولايات المتحدة يهدد مستقبل البحث والتعليم

حذرت رئيسة جمعية الكليات والجامعات الأمريكية (AAC&U)، لين باسكويريلا، من أن التدخل الحكومي الأمريكي في تمويل البحث العلمي واستخدامه كأداة سياسية قد يقوض قوة التعليم العالي الأمريكي ويشكل "تهديدًا وجوديًا لديمقراطيتنا".

وأشارت باسكويريلا إلى أن الهجمات الحكومية على التعليم العالي سيكون لها "آثار عميقة ودائمة" على البحث العلمي والصحة العامة العالمية وقدرتنا على مواجهة التحديات المستقبلية.

التخفيضات المالية وتأثيرها على الجامعات الأمريكية

جاءت هذه التحذيرات في ظل أزمة تمويل تضرب قطاع التعليم العالي في الولايات المتحدة، حيث تواجه الجامعات ومعاهد البحث تخفيضات ضخمة في الميزانية، ما أدى إلى إلغاء العديد من الوظائف والبرامج البحثية والأكاديمية.

السبب الرئيسي وراء هذه التخفيضات هو التغييرات التي نفذتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، مثل تجميد تمويل الوكالات الفيدرالية، بما في ذلك المعاهد الوطنية للصحة (NIH)، وتفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، والتي تم تعليقها حاليًا بأمر قضائي.

وعلى سبيل المثال، أعلنت جامعة جونز هوبكنز أنها فقدت 800 مليون دولار من منح "USAID"، مما أجبرها على إلغاء أكثر من 2200 وظيفة وإيقاف برامج بحثية، من بينها مشروع لتسريع أبحاث علاج السل.

كما تخطط جامعة ديوك لإعادة هيكلة شاملة وتقليص نفقاتها، بعد أن فرضت NIH سقفًا على التكاليف غير المباشرة للأبحاث، مما أدى إلى خسارة الجامعة نحو 194 مليون دولار من التمويل.

وفي جامعة هارفارد، تم فرض تجميد مؤقت على التوظيف، مع توجيه الكليات للاستعداد لتغييرات في مصادر التمويل التي تدعم مهمتها الأكاديمية.

الرقابة السياسية وتأثيرها على المؤسسات الأكاديمية

إضافة إلى تخفيضات التمويل، تتعرض الجامعات لضغوط سياسية متزايدة، حيث هددت الحكومة بقطع التمويل عن المؤسسات التي لا تتخذ إجراءات ضد المتظاهرين المؤيدين لفلسطين. وقد تم بالفعل قطع 400 مليون دولار من تمويل جامعة كولومبيا.

كما تلقى عدد من الجامعات، من بينها 60 مؤسسة عضو في AAC&U، خطابات تحذيرية من وزارة التعليم بشأن "التمييز والتحرش المعادي للسامية".

وفي تطور آخر، تلقت الجامعات الأمريكية رسالة من لجنة مختصة بالحزب الشيوعي الصيني، تطلب منها تقديم قوائم مفصلة بالمعلومات الخاصة بالطلاب الصينيين، بما في ذلك خلفياتهم الأكاديمية ومصادر تمويلهم، مما أثار مخاوف من زيادة الرقابة والتمييز ضد الطلاب الآسيويين.

عواقب غير مقصودة على البحث والتعليم

تشير باسكويريلا إلى أن هذه التغييرات قد تؤدي إلى تراجع أعداد الطلاب الدوليين في الجامعات الأمريكية، حيث يتزايد عدد الطلاب الذين يتقدمون للدراسة في المملكة المتحدة وأستراليا ودول أخرى بدلاً من الولايات المتحدة.

كما أن تركيز الجامعات على حماية برامج العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) قد يأتي على حساب الفنون والعلوم الإنسانية والاجتماعية، مما يؤدي إلى تآكل التنوع الأكاديمي.

تحذر باسكويريلا من أن التخفيضات البحثية سيكون لها تأثير طويل الأمد على الأبحاث الطبية، مثل دراسات السرطان وأمراض القلب والسكري، مما يحد من قدرة الولايات المتحدة على مواجهة التحديات الصحية المستقبلية.

وتضيف أن التعاون البحثي الدولي، الذي كان حاسمًا في مكافحة جائحة كوفيد-19، قد يصبح مستحيلًا في ظل السياسات الحالية التي تعرقل التعاون العالمي في مواجهة التحديات الكبرى.

خاتمة

تشير التطورات الأخيرة إلى أن استخدام التمويل البحثي كأداة سياسية قد يضر بمكانة الولايات المتحدة كقوة بحثية وتعليمية عالمية. فبينما تسعى الحكومة الأمريكية إلى فرض رقابة أكبر على المؤسسات الأكاديمية، قد تجد الجامعات نفسها مجبرة على اتخاذ قرارات تقوض قدرتها على الابتكار والتعاون الدولي، مما قد يؤثر بشكل دائم على البحث العلمي والتعليم العالي في البلاد.

تعليقات الزوار