العلاقات العراقية الأمريكية شهدت تحولات كبيرة خلال فترة رئاسة دونالد ترامب الأولى (2017-2021)، حيث تميزت بتعاون عسكري في مكافحة الإرهاب، إلى جانب توترات سياسية ناجمة عن الضغوط الأمريكية على العراق لتقليص النفوذ الإيراني.
العقوبات الأمريكية على إيران أثرت مباشرة على الاقتصاد العراقي، وتفاقمت التوترات باغتيال قاسم سليماني، مما دفع البرلمان العراقي للمطالبة بخروج القوات الأمريكية.
مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تثار تساؤلات حول مستقبل هذه العلاقة، خاصة في ظل قرار العراق الأخير بإنهاء الإعفاءات لاستيراد الكهرباء من إيران في 9 مارس، مما قد يعمق التحديات الاقتصادية والسياسية بين البلدين.
العلاقات العراقية الأمريكية خلال الولاية الأولى لترامب: تحولات رئيسية
أولاً: الجانب السياسي
خلال فترة ترامب الأولى، شهدت العلاقات السياسية بين العراق والولايات المتحدة توترات ملحوظة، تأثرت بعدة عوامل رئيسية، منها:
انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران: في مايو 2018، أعلن ترامب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران وأعاد فرض عقوبات اقتصادية صارمة على طهران. هذا التأثير طال العراق بشكل مباشر، حيث يعتمد بشكل كبير على إيران في تزويد الطاقة والكهرباء.
وواجهت الحكومة العراقية ضغوطاً أمريكية للامتثال لهذه العقوبات؛ مما دفع الولايات المتحدة لمنح العراق إعفاءات مؤقتة لاستيراد الغاز والكهرباء من إيران، ولكن هذه الإعفاءات كانت تُجدد كل 90 يومًا فقط، مما وضع العراق في موقف حرج. ومع تشديد إدارة ترامب لسياسة "الضغط الأقصى" على إيران، أصبحت بغداد ساحة للصراع غير المباشر بين واشنطن وطهران.
زيادة النفوذ الإيراني ورد الفعل الأمريكي: خلال فترة ترامب، حاولت الولايات المتحدة تقليص النفوذ الإيراني في العراق بفرض عقوبات على شخصيات عراقية مؤيدة لطهران، مثل بعض قادة فصائل الحشد الشعبي.
قرار البرلمان العراقي بإنهاء وجود القوات الأمريكية: بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، في 5 يناير 2020، صوت البرلمان العراقي على قرار يلزم الحكومة بإخراج جميع القوات الأجنبية من العراق.
ثانياً: الجانب الاقتصادي
الملف الاقتصادي كان عاملاً حاسماً في تحديد طبيعة العلاقة بين بغداد وواشنطن خلال فترة ولاية ترامب الأولى. تبنى ترامب سياسة تهدف لتحقيق المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة بأكبر قدر من الفوائد وأقل تكاليف ممكنة، وسعى للحصول على "أرباح" من الشراكات الدولية الأمريكية.
ويرى أن الوجود الأمريكي في أي دولة ينبغي أن يكون مربحاً وليس مجرد التزام أمني أو دبلوماسي. وبالتالي، يمكن أن يسعى ترامب إلى فرض تكلفة تحرير العراق وفق تصريحاته التي أكدت أنه يجب ألا تكون المساعدة الأمريكية مجانية وأن على العراقيين تسديد ثمن التحرير الذي حدده بمبلغ لا يقل عن ترليون ونصف دولار.
ثالثًا: الجانب العسكري والأمني
سيظل التواجد العسكري الأمريكي في العراق مسألة جدلية، ومن المحتمل أن تشهد الأمور تغيرات كبيرة تحت إدارة ترامب الثانية. يمكن إبراز بعض الاحتمالات على النحو التالي:
إعادة نشر القوات الأمريكية في العراق: على الرغم من جهود إدارة بايدن لتقليص عدد الجنود الأمريكيين وتحويل مهمتهم إلى استشارية، إلا أن ترامب قد يُعيد تقييم هذه السياسة، وقد نشهد زيادة في العوامل العسكرية الأمريكية إذا تفاقم تهديد تنظيم داعش أو ارتفعت الهجمات ضد المصالح الأمريكية بالعراق.
مصير القواعد العسكرية الأمريكية في العراق: يتوقع أن تسعى الولايات المتحدة لتعزيز وجودها في قواعد مثل "عين الأسد" بالأنبار و"حرير" بإقليم كردستان. في حال قررت الحكومة العراقية الضغط لخروج واشنطن، فقد نلاحظ ضغوطاً اقتصادية أمريكية أو حتى تهديدات بتقليص المساعدات الأمنية.
باختصار، عودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض قد تؤدي إلى تصاعد التوترات في العلاقات العراقية الأمريكية، مع تحديات سياسية واقتصادية وأمنية جديدة قد تؤثر على استقرار العراق والمنطقة بشكل عام.
إعداد: ريهام محمد
تعليقات الزوار