تشهد المنطقة العربية تحولات كبيرة في الفكر الإسلامي السياسي، حيث بدأ تيار إسلامي جديد يتشكل، مدفوعاً بشباب يتبنون نهجاً براغماتياً بعيداً عن الإيديولوجيات التقليدية، ما يمثل تحديًا للأنظمة الحاكمة. ومع ذلك، فإن هذا التيار لا يزال يفتقر إلى استراتيجية واضحة.
تأثير التطورات في سوريا
أثارت التطورات الأخيرة في سوريا تساؤلات حول مستقبل الإسلام السياسي في المنطقة. فبينما شهدت السنوات الأخيرة تراجعًا في شعبية الحركات الإسلامية، خاصة بعد الموجة الثانية من الربيع العربي (2018-2019)، إلا أن ما حدث في سوريا، وخاصة سقوط نظام بشار الأسد، فرض إعادة تقييم لهذا الاتجاه.
أحد قادة جماعة الإخوان المسلمين في تركيا صرّح بأن سوريا "أعادت الأمل لأولئك الذين أرهقتهم الصراعات الطويلة"، مشيراً إلى أن "الإطاحة بنظام قوي مدعوم من جيش وأجهزة أمنية وحلفاء إقليميين يمثل تحولا كبيرا".
في المقابل، أبدى زعيم من حزب العدالة والتنمية المغربي قلقه إزاء عدم وضوح الرؤية الإيديولوجية لهيئة تحرير الشام، متسائلا عن كيفية تأقلم أنصارها مع التحولات السياسية والفكرية لقائدها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني).
التحديات التي تواجه الإسلاميين
رغم التغيرات الحاصلة، لا تزال الحركات الإسلامية تواجه تحديات كبيرة، أبرزها قضايا العدالة الاقتصادية، التي كانت من بين الدوافع الرئيسية للثورات العربية إلى جانب الحرية والكرامة الإنسانية.
ويرى مراقبون أن السلطات الجديدة في سوريا تبنت اقتصاد السوق دون معالجة مشكلة التفاوت الاقتصادي، ما قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاجتماعية.
كما أن العلاقة بين مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والنضال ضد الاستبداد في المنطقة لا تزال غير واضحة، حيث تختلف الآراء حول ما إذا كان سقوط نظام الأسد يمثل تهديدًا أم دعمًا للقضية الفلسطينية.
تحولات في التدين والإسلام السياسي
يشير الباحثون إلى أن المنطقة تشهد موجة جديدة من التدين، خاصة بين الشباب، لكنها ليست بالضرورة مرتبطة بالإيديولوجيات الإسلامية التقليدية.
هذا التدين الجديد يعتمد على التجربة الشخصية أكثر من الالتزام بتنظيمات دينية محددة، كما أن دوره في السياسة بات أكثر براغماتية. ويبدو أن هذه الظاهرة تزداد قوة بعد أحداث مثل عملية "طوفان الأقصى" في غزة وسقوط النظام السوري.
أحد القادة الإسلاميين السابقين يرى أن تجربة سوريا قد "تحفز الإسلاميين الجدد على تنظيم أنفسهم بطريقة مختلفة عن الجماعات التقليدية"، وقد تدفع نحو "إعادة تقييم مفاهيم الثورة والتغيير، وحتى استخدام القوة ضد الأنظمة القمعية".
نحو إسلام سياسي أكثر براغماتية؟
هناك تساؤلات حول ما إذا كان هذا التدين المتنامي سيؤدي إلى ظهور تيار إسلامي أكثر براغماتية، أم أنه سيظل مجرد صحوة دينية غير منظمة.
تجربة هيئة تحرير الشام في إدلب تُظهر تحولاً نحو حكم محلي عملي، حيث تخلت الجماعة عن الخطاب التقليدي حول تطبيق الشريعة، وركزت بدلاً من ذلك على إدارة المؤسسات.
وبينما تستمر القوى الغربية والإقليمية في التفاوض مع مجموعات إسلامية كانت تصنف سابقا كإرهابية، يثير ذلك تساؤلات حول مدى مرونة التصنيفات السياسية لهذه الجماعات، وإمكانية إعادة دمجها في المشهد السياسي الإقليمي.
التحولات الحاصلة في سوريا تشير إلى أن الإسلام السياسي لم ينتهِ كما كان يُعتقد بعد فشل تجارب الإسلاميين في الحكم خلال العقد الماضي. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن هذه التيارات من تطوير رؤية سياسية واضحة أم أنها ستظل مجرد ردود فعل على الأحداث الإقليمية والدولية؟
تعليقات الزوار