يتناول كتاب آرون واي. زيلين "عصر الجهاد السياسي: دراسة حول هيئة تحرير الشام" 

The Age of Political Jihadism: A Study of Hayat Tahrir al-Sham 

تطور هيئة تحرير الشام (المعروفة سابقًا بجبهة النصرة) وتحولها من كونها فرعًا لتنظيم القاعدة في سوريا إلى كيان أكثر توجهًا سياسيًا ضمن الطيف الجهادي (المتطرف) يجادل المؤلف بأن هيئة تحرير الشام، تحت قيادة أبو محمد الجولاني، شهدت تحولاً كبيرًا، من جماعة مسلحة متطرفة تقليدية تركز على الأهداف العالمية إلى كيان يركز بشكل أساسي على الحوكمة المحلية والانخراط السياسي. ويُبرز هذا التحول بداية عصر جديد من "الجهاد السياسي." كما يحلل الكتاب قيادة هيئة تحرير الشام متمثلة في أبو محمد الجولاني، وعلاقاتها مع الجماعات الأخرى

المحاور الرئيسية والرؤى:

1.تطور وتحول هيئة تحرير الشام: يتتبع الكتاب تطور الجماعة، وانفصالها عن تنظيم القاعدة، وتحولها إلى كيان حاكم محلي. ويسلط الضوء على توجه الجماعة نحو البراغماتية السياسية وسعيها لاكتساب الشرعية على الصعيد الدولي ، ويقارن هذا النهج البراغماتي مع تركيز الجماعة السابق على الجهاد العالمي وأفعالها الأكثر تطرفًا.

2.الجهاد السياسي: يناقش الكتاب مفهوم "الجهاد السياسي"، حيث تعطي الجماعات الجهادية المسلحة (المتطرفة) الأولوية للحكم المحلي والسلطة السياسية على الإرهاب العابر للحدود. يتم تقديم مسار هيئة تحرير الشام كمثال بارز على هذا الاتجاه المتطور داخل الحركات الجهادية المسلحة (المتطرفة) ويحلل زيلين كيفية استخدام الهيئة للانخراط السياسي لاكتساب الشرعية وترسيخ سيطرتها على الأراضي.

3.تحدث المؤلف عن التداعيات المستقبلية للهيئة وكان منها تأكيده على سعيها للانخراط السياسي وطموح تولي السلطة بعيداً عن الشعارات الايديولوجية الجهادية (المتطرفة) ذات البعد الشمولي والعالمي لكنه سيظل محل شك كبير في حال بقاء تصنيفها وأيضاً المراقبة لسلوكها على مستوى القيادات والمجموعات المقاتلة.

4.هيئة تحرير الشام والغرب: يحلل زيلين محاولات الجماعة للتواصل مع الحكومات الغربية وسعيها للتميز عن مجموعات مثل تنظيم داعش، في الوقت الذي تتنقل فيه بين التحالفات مع الفاعلين المحليين والدوليين.

5.معضلة السياسات: يستعرض مؤلف الكتاب زيلين الأسئلة السياسية المعقدة المتعلقة بما إذا كان ينبغي إزالة هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب الأمريكية. وتُظهر الجماعة حالة فريدة حيث تزعم الآن معارضتها للإرهاب العالمي، بينما تحتفظ بمعتقدات متطرفة.

6.نهج الحوكمة لدى هيئة تحرير الشام: يناقش الكتاب انتقال الجماعة من الجهادية العالمية إلى الحوكمة المحلية، وإدارتها للمناطق الواقعة تحت سيطرتها، وتشكيل حكومة الإنقاذ السورية بقيادة مدنية.

7.استراتيجية الجهاد: يضع المؤلف هيئة تحرير الشام ضمن السياق الأوسع لحركات الجهاد (المتطرفة)، مسلطًا الضوء على تبنيها لأساليب أكثر توجهاً سياسياً مقارنة بالجماعات المتطرفة الأخرى.

8.الحوكمة في إدلب: يفصّل زيلين استراتيجيات هيئة تحرير الشام في الحوكمة بمنطقة إدلب، بما في ذلك علاقتها مع حكومة الإنقاذ السورية. يناقش جهود الجماعة في توفير الخدمات الأساسية، مثل التعليم والرعاية الصحية، ومحاولاتها إنشاء نظام قضائي فعّال يعتمد على تفسيرها للشريعة الإسلامية. لكنه يسلط الضوء أيضًا على نزعاتها  السلطوية وانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك قمع المعارضة، والاعتقالات التعسفية، والتعذيب.

9.مسألة تصنيف الإرهاب: يتناول الكتاب سؤالًا محوريًا حول ما إذا كانت هيئة تحرير الشام لا تزال تستوفي معايير التصنيف كمنظمة إرهابية أجنبية (FTO) من قبل وزارة الخارجية الأمريكية. وبينما يعترف زيلين بعلاقات الهيئة السابقة مع القاعدة وسلوكها الإشكالي المستمر، فإنه يشير إلى أن تركيزها الحالي على الحوكمة المحلية يثير تساؤلات حول ملاءمة التصنيف الإرهابي. كما يستكشف الأنظمة البديلة للعقوبات ويحدد شروطًا محتملة لإزالة التصنيف، مثل السماح بتفتيش السجون بشكل مستقل، والإفراج عن السجناء السياسيين، وتشكيل لجنة للمصالحة الوطنية.

10.العمليات الخارجية والتأثير: رغم تركيز الكتاب بشكل رئيسي على أنشطة هيئة تحرير الشام داخل سوريا، فإنه يدرس أيضًا عمليات الجماعة الخارجية وتأثيراتها. يلاحظ زيلين أنه على الرغم من انفصال الهيئة عن القاعدة، فإنها لا تزال تستمد الإلهام من الشخصيات الجهادية (المتطرفة) التاريخية وتبدي دعمًا لجماعات مثل طالبان وحماس. ويحلل تداعيات هذا التفاعل المستمر مع الحركة الجهادية (المتطرفة) الأوسع على مسار هيئة تحرير الشام المستقبلي وعلاقتها مع الغرب.

11.من بين الانتقادات للمؤلف هو أن الهيئة ظلت تطرح أفكار متطرفة وتستهدف مدنيين في مناطق النظام كما أنها سمحت لتظيمات إرهابية بالعمل في مناطقها مما يثير شكوك الباحثين حول جدية تحولها، وبالتالي فإن سعيها لإعادة تصنيفها هو جزء من تجاهل ضحايا عنفها وانتهاكاتها السابقة لحقوق الإنسان بحسب المؤلف.

12. تحدث الكتاب الذي صدر في ٢٠٢٣ عن معضلة استراتيجية للغرب حكومات وخبراء حول التعامل مع نموذج الهيئة بين إعادة التأهيل والمخاطرة بإضفاء الشرعية على جماعة ذات تاريخ عنفي.

13.بحسب المؤلف فإن تبني ودعم تركيا زاد من الوضع تعقيداً مع لعبها دور الحليف الإقليمي والحامي لتجربة هيئة تحرير الشام ، يزيد دعم تركيا للهيئة من تعقيد الوضع، حيث تلعب دور الحليف الإقليمي كما تقدم الحماية لها.

14.من الإشكاليات التي طرحها المؤلف معضلة الانشقاقات الداخلية في الحركة ومنها هيئة تحرير الشام لاسيما مع الذين لازالوا موالين لتنظيم القاعدة أو الرافضين لفكرة "الجهاد المحلي" 

15.مما زاد من منسوب الانشقاقات هو قمع هيئة تحرير الشام لمنافسيها من الجهاديين (المتطرفيين) خصوصاً تنظيم حراس الدين.

الخلاصة :

يوفر "عصر الجهاد السياسي" وصفًا تفصيليًا ومتوازنًا لتحولات هيئة تحرير الشام وآثارها على مستقبل الحركات الجهادية المسلحة (المتطرفة) يقدم زيلين رؤى قيّمة حول الديناميكيات المعقدة في سوريا والتحديات التي تطرحها الجماعات مثل هيئة تحرير الشام، التي تمزج بين الأيديولوجيا الجهادية (المتطرفة) والانخراط السياسي البراغماتي. ويختتم الكتاب بالإشارة إلى أن "عصر الجهاد السياسي قد بدأ"، مما يبرز الحاجة إلى إعادة التفكير في استراتيجيات مكافحة الإرهاب للتعامل مع الجماعات التي تركز على السيطرة المحلية بدلاً من الهجمات الدولية.