إثيوبيا تتهم وإريتريا تستنفر.. مخاطر الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة تتصاعد
تشهد منطقة القرن الأفريقي عودة مقلقة للتوتر بين إثيوبيا وإريتريا، وسط مؤشرات متزايدة على احتمال انزلاق البلدين نحو مواجهة جديدة قد تقوّض الهشاشة الأمنية في واحدة من أكثر مناطق العالم اضطراباً.
وتشير بيانات مؤشر السلام العالمي لعام 2025 (GPI) إلى أن العلاقة بين الدولتين تُعد من بين أخطر "الثنائيات النزاعية" في العالم، بالنظر إلى تراكم الأزمات البنيوية والمناكفات الجيوسياسية التي لم تُحل منذ عقود.
تصاعد الخلاف حول البحر الأحمر
تجددت الأزمة بعدما شددت أديس أبابا على مطلبها في الحصول على منفذ مباشر إلى البحر الأحمر، معتبرةً أن الوصول إلى المياه الدافئة مسألة "وجودية". وألمحت شخصيات إثيوبية رفيعة إلى إمكانية السيطرة على ميناء عصب في جنوب إريتريا بالقوة إذا فشلت المساعي الدبلوماسية.
ويحذّر محللون من أن أي مواجهة عسكرية في هذه المنطقة ستنعكس كارثياً على حركة التجارة البحرية وأمن الموانئ على البحر الأحمر، وستفتح الباب لتدخلات دولية وإقليمية واسعة.
إرث الحرب الشمالية وتأثيره على التوتر الحالي
يأتي هذا التصعيد على خلفية تداعيات حرب تيغراي بين 2020 و2022، وما نتج عنها من اختلالات داخلية وإقليمية. وقد أخطرت إثيوبيا الأمين العام للأمم المتحدة بأن إريتريا "تستعد للحرب"، متهمةً إياها بالتعاون مع جماعات مسلحة غير حكومية لزعزعة أمنها—وهو اتهام زاد من سخونة المشهد ودفع إلى تحشيد عسكري على الحدود.
ويرى خبراء أن تضافر الأزمات الداخلية في إثيوبيا مع ملف الحدود غير المحسوم و"عقدة البحر" يغذي خطر اندلاع مواجهة غير مقصودة قد تتصاعد بسرعة.
عوامل الخطر البنيوي
عندما صنّف مؤشر السلام العالمي إثيوبيا وإريتريا ضمن أعلى أربع "ثنائيات نزاع" خطورة في العالم، استند إلى عوامل هيكلية متجذّرة، منها:
الخلافات التاريخية المزمنة
ترسيم الحدود المؤجل
الانتشار العسكري المكثف
إرث الحروب السابقة
وتكشف التطورات الأخيرة كيف يمكن لهذه التوترات الكامنة أن تعود للسطح بمجرد تغيّر الظروف السياسية أو الأمنية.
إثيوبيا: الصراعات الداخلية تضاعف المخاطر
يشير التقرير إلى أن هشاشة الوضع الداخلي في إثيوبيا تُعد عاملاً مضاعفاً للخطر. فرغم انتهاء الحرب في الشمال، ما تزال مناطق مثل أمهرة وأوروميا تشهد أعمال عنف ونزوحاً واضطراباً أمنياً.
وتحتل إثيوبيا المرتبة 138 من أصل 163 دولة في مؤشر السلام، وهي من بين الأقل استقراراً على المستوى العالمي. ضعف المؤسسات وانشغال الدولة بالصراعات الداخلية يحدّان من قدرتها على ضبط الحدود أو احتواء أزمات مع دول الجوار، ما يزيد حساسية علاقتها بإريتريا.
إريتريا: استقرار داخلي محدود وتوتر خارجي دائم
تحتل إريتريا المرتبة 132 عالمياً في المؤشر. ورغم انخفاض مستوى الصراع الداخلي فيها مقارنة بجيرانها، إلا أن:
عسكرة الدولة
تذبذب علاقتها بالدول المجاورة
وتأثير بيئة أمنية إقليمية شديدة الاستقطاب
كلها عوامل تُبقي علاقتها مع إثيوبيا قابلة للاشتعال.
هل الحرب حتمية؟
لا يشير المؤشر إلى أن الحرب باتت مؤكدة، لكنه يسلط الضوء على هشاشة الوضع وإمكانية انزلاق البلدين إلى صراع جديد نتيجة خطأ في الحسابات أو تصعيد غير مقصود.
التداعيات المحتملة على القرن الأفريقي
في حال تفاقم التوتر أو اندلاع مواجهة، يتوقع الخبراء تداعيات واسعة، أبرزها:
1. أزمة إنسانية جديدة
استناداً إلى تجارب الحرب السابقة، قد يشهد الإقليم نزوحاً واسع النطاق وموجات لجوء ومخاطر حادة على الأمن الغذائي.
2. تفاقم عدم الاستقرار الإقليمي
خلاف حول البحر الأحمر قد يدفع قوى خارجية—من الخليج إلى القوى الدولية—للتدخل حفاظاً على مصالحها البحرية والاقتصادية.
3. تهديد التجارة العالمية
أي اشتباك قرب ميناء عصب أو الممرات الحيوية سيؤثر على حركة الشحن العالمية والدول المعتمدة على تلك الممرات.
4. نسف جهود السلام
قد تتلاشى المكاسب التي تحققت منذ المصالحة التاريخية عام 2018 واتفاق السلام لعام 2022.
ما المطلوب لتخفيف المخاطر؟
يقترح مؤشر السلام العالمي عدة خطوات لتفادي انفجار الوضع:
تعزيز دور الاتحاد الأفريقي وإيغاد كمنصات للحوار
التركيز على تحقيق الاستقرار الداخلي في إثيوبيا
تطوير مشاريع تكامل اقتصادي تقلل دوافع الصراع
اتخاذ إجراءات لبناء الثقة بين البلدين، مثل مناطق منزوعة السلاح
ثنائيات نزاع أخرى عالية المخاطر
إلى جانب إثيوبيا–إريتريا، حدد التقرير ثلاث ثنائيات أخرى ذات مستويات خطورة مرتفعة:
الهند – باكستان
نزاع مزمن حول كشمير وتوتر نووي دائم.
إسرائيل – لبنان
تصعيد متكرر على الحدود الجنوبية ووجود فاعلين مسلحين غير دولتيين.
روسيا – أوكرانيا
الصراع الأكثر دموية في أوروبا منذ عقود وما يحمله من تداعيات عالمية.
تعليقات الزوار