En

ميناء جوادر: مفتاح الهيمنة التجارية في آسيا

في أقصى الجنوب الغربي من باكستان، حيث يلتقي بحر العرب بساحل مكران الوعر، ينهض ميناء جوادر كأحد أكثر المشاريع طموحًا واستراتيجية في جنوب آسيا. فبعد أن كان قرية صيد صغيرة، يتحول اليوم إلى مركز تجاري عالمي ضمن إطار الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني (CPEC)، المشروع الذي يجمع بين رؤية الصين اللوجستية وطموح باكستان التنموي.

يمنح موقع جوادر القريب من مضيق هرمز — الذي يمر عبره نحو 20٪ من النفط العالمي — بكين منفذاً مباشراً إلى بحر العرب دون المرور عبر مضيق ملقا، وهو ما يختصر المسافة ويقلل المخاطر الأمنية في التجارة الصينية نحو الشرق الأوسط وأفريقيا. أما لباكستان، فيمثل الميناء رمزاً للتحديث والتنمية في إقليم بلوشستان المهمّش، من خلال فرص عمل واستثمارات وبنية تحتية جديدة.

رؤية اقتصادية شاملة

تشير التقديرات إلى أن الممر الصيني–جوادر–أفريقيا سيخلق نحو 25 ألف وظيفة جديدة ويساهم بما يصل إلى 30٪ من الناتج المحلي لإقليم جوادر بحلول 2027. كما تستثمر الشركات الصينية في مناطق صناعية ومشاريع للطاقة والعقارات، لتتحول المدينة إلى منظومة اقتصادية مكتفية ذاتياً، تمتد فوائدها إلى سلاسل التوريد الإقليمية.

وتجري أعمال إنشاء شبكة طرق وسكك حديدية تربط جوادر بمدينة كاشغر الصينية، لتقليص زمن نقل البضائع بين غرب الصين وبحر العرب إلى أقل من أسبوع. إلى جانب ذلك، يجري تطوير مطار جوادر الدولي ومحطات الطاقة الشمسية وتحلية المياه لتلبية احتياجات السكان والنشاط الاقتصادي المتنامي.

منطقة حرة تنافس دبي وسنغافورة

يدخل المنطقة الحرة في جوادر مرحلتها الثانية من التوسّع، مستلهِمةً تجارب المناطق الحرة في دبي وسنغافورة، مع حوافز ضريبية وجمركية كبيرة تستهدف جذب أكثر من 400 شركة في مجالات اللوجستيات، البتروكيماويات، التكنولوجيا والسياحة.

الاستدامة في قلب المشروع

ولأول مرة في باكستان، أُطلقت مبادرة قوارب صيد تعمل بالطاقة الشمسية بدعم من الشركات الصينية والتعاونيات المحلية، بهدف حماية البيئة البحرية وتحسين دخل الصيادين.

التحديات والمخاطر

رغم هذه الإنجازات، يواجه المشروع تحديات تتعلق بالأمن في بلوشستان، واعتراض السكان المحليين على توزيع الأراضي والوظائف، ما يثير مخاوف من تحوّل جوادر إلى “منطقة منفصلة تخدم مصالح خارجية”. ويرى الخبراء أن ضمان الشفافية في العقود، وتوسيع التعليم والرعاية الصحية، شرط أساسي للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي.

أبعاد جيوسياسية

يضع صعود جوادر باكستان في قلب التنافس الإقليمي على الموانئ، حيث يتقاطع المشروع مع مصالح الهند في ميناء تشابهار الإيراني والإمارات في جبل علي. أما بالنسبة للصين، فجوادر يشكّل حلقة مهمة ضمن مبادرة الحزام والطريق ويعزز حضورها في المحيط الهندي.

وفي المحصلة، ميناء جوادر ليس مجرد مشروع لوجستي، بل بيان استراتيجي يعكس طموح باكستان في التحول إلى قوة تجارية إقليمية، وطموح الصين في تأمين طرق تجارية بديلة ومستدامة. نجاح جوادر لن يُقاس فقط بحجم السفن العابرة، بل بمدى التغيير الاقتصادي والاجتماعي الذي يحدثه في باكستان والمنطقة.

تعليقات الزوار