En

تقرير لمؤسسة بريطانية: العالم في 2025.. عصر الانقسام والفرص

في تقريرها السنوي الجديد بعنوان "Spotlight on Geopolitical & Economic Uncertainty 2025"، تكشف مؤسسة Beazley البريطانية أن العالم يعيش مرحلة غير مسبوقة من التجزئة السياسية والاقتصادية، حيث تتقاطع الحروب، والتوترات التجارية، والاضطرابات المالية لتشكل بيئة محفوفة بالمخاطر، لكنها أيضاً مليئة بالفرص للشركات القادرة على التكيّف السريع.

الانقسام العالمي في الوقت الحقيقي

ترى الدراسة أن ما يشهده العالم اليوم ليس اضطراباً مؤقتاً، بل إعادة تشكّل جذرية للنظام الاقتصادي والسياسي الدولي. فسياسات الحماية التجارية عادت بقوة، والحكومات المنتخبة حديثاً تعيد رسم التحالفات وتكتب قواعد التجارة من جديد.

في الوقت نفسه، يتصاعد الدين السيادي في الغرب ليضغط على الأنظمة المالية ويهدد توازن الأسواق وسلاسل الإمداد.

تُظهر الدراسة بروز تكتل جديد أطلقت عليه اسم "CRINK"، ويضمّ الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، باعتباره تحدياً متنامياً للهيمنة الغربية. بالتوازي، تتعمّق الحرب الاقتصادية بين واشنطن وبكين عبر قطاعات التجارة، والتكنولوجيا، والأمن، بينما تستمرّ الحرب الروسية في أوكرانيا بإعادة رسم خريطة المخاطر في أوروبا.

أما في الشرق الأوسط، فإن الحرب الدائرة هناك تؤثر بشدة في أسواق الطاقة العالمية وسلاسل الإمداد والدبلوماسية الدولية، ما يضاعف حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي.

الشركات تتأقلم رغم الاضطراب

على الرغم من هذه التحديات، تُظهر بيانات التقرير أن نسبة الشركات التي تعيد تقييم أمن عملياتها الخارجية ارتفعت من 23% إلى 32% خلال عام واحد، في مؤشر على تحوّل في الذهنية من “التعامل الوقائي” إلى “الإدارة النشطة للمخاطر”.

كما أن أكثر من 87% من الشركات تخطط لتعديل سلاسل التوريد بسبب التوترات الجيوسياسية، مقابل 75% فقط في مطلع 2025.

صعود المخاطر الاقتصادية والتضخم

ويشير التقرير إلى أن القلق من الركود والتضخم أصبح في صدارة المخاطر العالمية.

وفي عام 2024، اعتبر 21% من المديرين التنفيذيين أن عدم الاستقرار الاقتصادي هو التهديد الأكبر، وارتفعت النسبة إلى 26% في 2025. أما التضخم فقد ارتفع من 24% إلى 27% بوصفه مصدر الخطر الأول.

لكن اللافت أن الشركات رغم ذلك تشعر بقدر أكبر من الثقة في قدرتها على التكيّف مع هذه البيئة الصعبة.

التأمين كأداة للنمو وليس للحماية فقط

وتؤكد Beazley أن التأمين لم يعد مجرد درع ضد الخسائر، بل أصبح محركاً للنمو والتوسع. فشركات التأمين، عبر التعاون الوثيق مع العملاء والوسطاء، باتت توفر حلولاً تساعد المؤسسات على دخول أسواق جديدة والاستثمار في التكنولوجيا والطاقة دون خوف من المخاطر السياسية أو السيبرانية.

وفي هذا الإطار، ارتفعت نسبة الشركات التي تخطط لاستكشاف حلول تأمينية تشمل إدارة الأزمات من 24% إلى 32% في عام واحد.

التحول من "الهشاشة إلى المرونة"

تسلّط الدراسة الضوء على مفهوم جديد هو "التحول من الهشاشة إلى المرونة"، أي قدرة الشركات على إعادة تصميم سلاسل الإمداد بسرعة استجابةً للمتغيرات الجيوسياسية.

فمنذ اندلاع الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، تغيّر توزيع التجارة العالمية بشكل جذري:

تقلّصت حصة الصين من إجمالي التجارة الأمريكية من 15.7% إلى 10.9%. فيما عززت فيتنام والمكسيك روابطهما التجارية مع واشنطن.

وتؤكد Beazley أن الشركات التي تتبنى استراتيجيات مثل تنويع الموردين، والإنتاج القريب من الأسواق (nearshoring)، وبناء أنظمة إنذار مبكر للمخاطر، ستكون الأفضل في تجاوز الأزمات المستقبلية.

السباق على المعادن النادرة والطاقة النظيفة

يتناول التقرير أيضاً صراع القوى الكبرى على الموارد والمعادن النادرة التي أصبحت أساس الصناعات التكنولوجية والعسكرية الحديثة.

فالعناصر الأرضية النادرة (17 عنصراً معدنياً) باتت أوراق ضغط استراتيجية في الصراع بين واشنطن وبكين.

  • الصين تهيمن على معظم الإمدادات العالمية.
  • الولايات المتحدة أطلقت في 2022 "شراكة أمن المعادن" مع 14 دولة والاتحاد الأوروبي لتقليل الاعتماد على الصين.
  • أوروبا بدورها تسعى إلى خفض وارداتها بنسبة 65% بحلول 2030، لكنها تمتلك فقط منشأتين لمعالجة هذه المعادن.

وفي إفريقيا، يشير التقرير إلى ممر لوبِيتو في أنغولا وزامبيا وجمهورية الكونغو كمثال على تحوّل مشاريع البنية التحتية إلى أصول استراتيجية في سباق تأمين موارد الطاقة والمعادن.

الخلاصة: المخاطر ثابتة، لكن المرونة هي الاستراتيجية

وتلخّص Beazley المشهد بالقول إن المخاطر أصبحت جزءًا من الواقع الاقتصادي، لا استثناءً منه. ولذلك فإن القدرة على التكيّف السريع، وبناء نظم إنذار مبكر، وتوسيع الشراكات التأمينية، هي العوامل التي ستميز الشركات الناجحة في عصر الانقسام العالمي.

كما يشير التقرير إلى أن نسبة 94% من قادة الشركات قالوا إن قدرتهم على تحمل المخاطر بقيت أو ازدادت في 2025، ما يعكس واقعاً جديداً عنوانه: "الاضطراب هو القاعدة، والمرونة هي طريق النمو".

تعليقات الزوار