En

مخاطر مالية متصاعدة: الدين العام العراقي يتجاوز الحدود الآمنة

أعلن محافظ البنك المركزي العراقي (CBI)، علي العلاق، أن إجمالي الدين العام الداخلي والخارجي للعراق قد ارتفع إلى نحو 150 مليار دولار، بحسب أحدث تقديرات رسمية للالتزامات المالية للدولة. وقد أثار هذا الإعلان قلقاً شعبياً واسعاً، وسط دعوات من المواطنين والمحللين الاقتصاديين إلى ضرورة وضع خطة اقتصادية واضحة للحكومة المقبلة بعد انتخابات 11 نوفمبر البرلمانية لحماية الاقتصاد من الصدمات المالية المحتملة.

مكونات الدين وأسباب القلق

ووفقاً للبيانات الرسمية، بلغ الدين المحلي حوالي 91 تريليون دينار عراقي، بينما وصل الدين الخارجي إلى نحو 54 مليار دولار، منها 43 مليار دولار مستحقة قبل الغزو الأمريكي والبريطاني عام 2003، وما يقارب 10 مليارات دولار منذ ذلك الحين.

ويعتمد العراق بشكل شبه كامل على إيرادات النفط التي تشكل أكثر من 90% من إجمالي دخله، ما يجعل الاقتصاد هشاً أمام أي تقلبات في أسعار النفط العالمية. وحذر اقتصاديون من أن انخفاض أسعار النفط إلى حدود 50 دولاراً للبرميل قد يؤدي إلى أزمة فورية في الحكومة وعدم القدرة على تغطية فاتورة الرواتب الضخمة للقطاع العام.

وأشار العلاق في رد على استفسار من النائب رائد المالكي إلى أن العجز في الموازنة العامة كبير جداً ولا يمكن تغطيته من خلال القروض أو إصدار السندات، مضيفاً أن احتياطي العراق من السندات الأمريكية يبلغ 11 مليار دولار ضمن استراتيجية البنك المركزي للحفاظ على الاستقرار النقدي.

تحذيرات اقتصاديين وسياسيين

حذر اقتصاديون وسياسيون من أن استمرار الاقتراض قد يضعف الاقتصاد العراقي، ويؤثر على قيمة الدينار، ويحد من استقلالية القرار السياسي. وقال أحمد حاجي رشيد، نائب سابق ومرشح حالي للانتخابات، إن العراق يواجه انخفاضاً في التصنيف الائتماني، وأن الاقتراض المستمر قد يؤدي إلى فرض شروط قاسية على القروض وارتفاع أسعار الفائدة.

ولم يغفل رشيد تحميل المسؤولية لرؤساء الوزراء السابقين والحاليين، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يتصرف كوزير للمالية عملياً، وأن كل الحكومات السابقة زادت الإنفاق العام لزيادة شعبيتها.

وأضاف أن ميزانية 2023–2025، التي أقرها البرلمان، أدت إلى توسيع الرواتب العامة، حيث أضيف مليون موظف جديد للقطاع العام، ما رفع احتياجات الرواتب من 49 تريليون دينار في 2019 إلى نحو 60 تريليون دينار حالياً.

وحذر رشيد من أن عراق الدين قد يستمر لعقود، وتوقع أن تمتد فترة سداد الديون إلى ما بعد 2053 في حال استمرار وتيرة الاقتراض الحالية. كما أعرب عن مخاوف جيوسياسية من أن الديون الخارجية قد تُستغل للضغط على العراق، خاصة مع انضمام إسرائيل إلى نادي باريس.

رد البنك المركزي ومحاولة تهدئة الجمهور

وفي مواجهة القلق الشعبي، أصدر البنك المركزي توضيحاً أكد فيه أن العجز الفعلي في الميزانية أقل بكثير من المخطط له، حيث كان العجز المخطط للثلاث سنوات 191.5 تريليون دينار، بينما بلغ العجز الفعلي 35 تريليون دينار، تم تمويله عبر السندات وأذونات الخزانة المحلية، وهو ما يمثل 18.2% فقط من العجز المخطط له.

وأشار البنك إلى أن الدين الخارجي الفعلي لا يتجاوز 13 مليار دولار بعد استبعاد الديون المعلقة قبل 2003، مؤكداً أن العراق لم يتخلف عن أي التزام مالي ويحتفظ بسمعة مالية ممتازة على المستوى الإقليمي والدولي.

كما أوضح أن الدين المحلي البالغ 91 تريليون دينار يشمل 56 تريليونًا حتى نهاية 2022 و35 تريليوناً من ميزانيات 2023–2025، معظمها لدى البنوك الحكومية، وأن الحكومة تعمل على تحويل جزء من الدين إلى أدوات استثمارية عبر صندوق إدارة الدين الوطني.

مؤشرات الاستقرار المالي

وأكد البنك أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي لا تتجاوز 43%، وهو مستوى وصفه بأنه "معتدل وضمن الحدود الآمنة دولياً". موضحاً أن البنك المركزي يعمل على خطة استدامة مالية لدعم الإصلاحات الحكومية، وتنويع الإيرادات غير النفطية، والحد من الاعتماد على صادرات النفط الخام.

الخلاصة

يشير الوضع الحالي إلى أن ارتفاع الديون يمثل تحدياً اقتصادياً كبيراً للعراق، يتطلب سياسات مالية ونقدية حذرة، وتعزيز الرقابة على الإنفاق، وتحسين إدارة الدين العام. كما يسلط الضوء على ضرورة التخطيط طويل الأجل للميزانية العامة، وضمان الاستقرار النقدي، وحماية الاقتصاد من تقلبات أسعار النفط العالمية، لضمان استقرار مالي وسياسي للبلاد في المستقبل.

تعليقات الزوار