En

نمو المؤسسات المالية غير المصرفية وتحديات الاستقرار المالي العالمي

يشهد النظام المالي العالمي تحولات جوهرية مع تزايد دور المؤسسات المالية غير المصرفية (NBFIs)، بما في ذلك شركات التأمين، وصناديق التقاعد، وصناديق الاستثمار، والتي أصبحت تلعب دوراً متزايد الأهمية في صنع السوق، وتوفير السيولة، والوساطة في أسواق الائتمان الخاص والعقارات والعملات المشفرة. في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي وتصاعد الضغوط في أسواق السندات السيادية، أصبح الاستقرار المالي معرضًا لمخاطر متزايدة.

ويشير تقرير "الاستقرار المالي العالمي" إلى أن مواطن الضعف في جهات الوساطة غير المصرفية يمكن أن تنتقل سريعاً إلى الجهاز المصرفي الأساسي، مما يزيد من احتمال تضخيم الصدمات وتعقيد إدارة الأزمات.

فبينما تمتلك المؤسسات غير المصرفية نحو نصف الأصول المالية العالمية، يتجاوز انكشاف العديد من البنوك تجاه هذه المؤسسات مستوى رأس مالها الأساسي، وهو ما يجعل النظام المالي أكثر ترابطاً وأكثر عرضة للصدمات. كما أن هذه المؤسسات تشكل نصف حجم التداول اليومي في سوق الصرف الأجنبي، مقارنة بأقل من نصف هذا الحجم قبل 25 عاماً، ما يعكس اتساع تأثيرها في الأسواق المالية العالمية.

وتشير التحليلات إلى أن توسع المؤسسات غير المصرفية يزيد من المخاطر والارتباطات داخل النظام المالي. فبينما تتيح هذه المؤسسات تيسير أنشطة أسواق رأس المال وتوفير الائتمان للمقترضين، فإن نقص الإشراف والتنظيم الاحترازي، إلى جانب الإفصاح المحدود عن بيانات الأصول والسيولة والرفع المالي، يزيد من صعوبة تقييم المخاطر والكشف عن نقاط الضعف.

وقد أظهرت اختبارات تحمل الضغوط الجديدة أن تطورات سلبية في قطاع المؤسسات غير المصرفية، مثل خفض التصنيف الائتماني أو تراجع قيمة الضمانات، يمكن أن تؤدي إلى خسائر كبيرة وانخفاض حاد في نسب رأس المال والسيولة لدى البنوك، بما يؤكد الترابط الكبير بين القطاعين.

من جهة أخرى، تعتبر أسواق السندات الأساسية والأصول عالية الجودة قناة إضافية لنقل المخاطر من المؤسسات غير المصرفية إلى النظام المالي الأوسع. وقد تبين أن صناديق الاستثمار المفتوحة قد تضطر لبيع أصولها الأكثر سيولة عند ارتفاع تقلبات السوق أو تزايد عمليات الاسترداد، ما قد يؤدي إلى مبيعات اضطرارية تقدر بمئات المليارات من الدولارات، مع تأثير محتمل على كفاءة السوق وتمويل الاقتصاد.

في المقابل، يوفر المشاركة المتزايدة للمؤسسات غير المصرفية المحلية في أسواق السندات السيادية للاقتصادات الصاعدة ميزة في تحسين السيولة وتقليل اعتماد الحكومات على الاقتراض المصرفي، بينما قد تؤدي مشاركة المؤسسات الأجنبية إلى زيادة المخاطر عند اضطراب الأسواق. وهذا يسلط الضوء على الحاجة إلى فهم تأثير المؤسسات غير المصرفية عبر الحدود وتقييم الروابط المالية العابرة للحدود.

أولويات السياسات تتطلب تعزيز سلامة النظام المالي من خلال سياسات مالية ونقدية حذرة، فرض قيود على الاختلالات الخارجية مثل عجز الحساب الجاري والديون، وضمان فعالية الملاذ الأخير للإقراض، وتوافر مساعدات السيولة الطارئة. كما يجب تعزيز رأس المال والسيولة في البنوك وفق المعايير الدولية، بما في ذلك اتفاقية بازل الثالثة، وتطوير أطر تسوية الأوضاع لتعزيز مقاومة القطاع المصرفي للبنوك الضعيفة.

كما ينبغي تعزيز الرقابة على المؤسسات المالية غير المصرفية من خلال جمع بيانات شاملة، وتحسين التحليل الاستشرافي، وزيادة التنسيق بين الأجهزة الرقابية، مع التركيز على مؤسسات الإقراض الخاصة وصناديق الاستثمار المفتوحة، لضمان امتلاك أدوات فعالة لإدارة السيولة والتخفيف من مخاطر البيع الاضطراري.

وفي ضوء ذلك، يشير تقرير أكتوبر 2025 من "الاستقرار المالي العالمي"، بعنوان "أرض متحركة تحت سطح هادئ: تحديات أمام الاستقرار وسط تغيرات في الأسواق المالية"، إلى أن النمو المتسارع للمؤسسات المالية غير المصرفية يحمل فرصاً لتوسيع الأسواق ولكنه يفرض أيضاً تحديات هيكلية كبيرة على الاستقرار المالي العالمي، مما يتطلب من صناع السياسات والمراقبين الماليين توخي الحذر وتطبيق سياسات وقائية متقدمة لمواجهة المخاطر المحتملة.

تعليقات الزوار