En

إدارة المخاطر وتنفيذ المشاريع وسط حالة عدم اليقين العالمية

بقلم: سثيمبيله منينغيلا، المديرة الفنية في شركة "زوتاري" (Zutari)

لم يخلُ أي مشروع بنية تحتية في التاريخ من المخاطر وعدم اليقين. فجميع المشاريع تنطوي على مستوى معين من المخاطر التي يتدرّب المهندسون جيدًا على توقّعها وإدارتها والتقليل من آثارها.

إنّ إدارة المخاطر جزءٌ أصيل في هندسة البنية التحتية، حتى إنّ كل دليل تصميم تقريبًا يتضمن عوامل وإجراءات تهدف إلى تقليل المخاطر إلى أدنى حدّ ممكن.

وبالاعتماد على هذه الأدلة التصميمية والتنفيذية، يتمكّن المهندسون من ترويض الأنهار وتحويلها إلى سدود خرسانية. لقد نجح المهندسون عبر قرون طويلة في تسليم مشاريع البنية التحتية من خلال التخفيف من طيف واسع من المخاطر.

لكن السؤال اليوم هو: إذا كان المهندسون بارعين في إدارة المخاطر، فلماذا أصبحت إدارة المخاطر أكثر صعوبة، وسجلات المخاطر أطول من أي وقت مضى؟

الجواب هو: التغيّر.

فالطبيعة الديناميكية للمخاطر التي يواجهها المهندسون اليوم تختلف تمامًا عن تلك التي تدربوا على التعامل معها في الماضي.

تساعد الأدلة المألوفة في تجنّب أخطاء التصميم التقليدية، مثل تزامن الإشارات المرورية الخضراء لحركتين متعارضتين، أو انهيار الجسور تحت أوزان غير محسوبة.

لكن هذه الأدلة لا تُسعف المهندسين في مواجهة التغيّرات المناخية السريعة، أو الأزمات التمويلية المفاجئة الناتجة عن أحداث بعيدة قد تُبطئ المشاريع أو توقفها كلياً.

كما لا تساعد في التعامل مع اعتراضات أصحاب المصلحة الذين لم يُشركوا في التخطيط المسبق.

المهندسون عادةً تحليليون ومنهجيون ودقيقون، وهو ما يجعل مشروعات البنية التحتية تدوم في كثير من الأحيان أطول من عمرها المفترض.

لكن المخاطر لا تتّسم بالمنهجية نفسها، وفي عالمٍ سريع التغيّر، تظهر مخاطر غير متوقعة يمكن أن توقف المشاريع بالكامل.

فبمجرّد معالجة خطرٍ واحد، يظهر آخر. ورغم أنّ التدريب الهندسي يميل إلى إزالة الخطر تماماً قبل المضيّ قدماً، إلا أن المخاطر لا يمكن القضاء عليها بالكامل — بل يمكن احتواؤها والاستفادة من الفرص التي تولّدها.

غير أن فكرة “احتضان المخاطر” تتعارض مع الطبيعة المحافظة للمهندسين. فلا مهندس يقول: “دعونا نحتضن المخاطر!”

لكن هناك صناعات تفعل ذلك فعلاً — مثل قطاع التكنولوجيا الذي يزدهر في البيئات الديناميكية عبر منهجية “جرّب، افشل، تعلّم”.

بالطبع، لا يمكن تطبيق هذا النهج بحذافيره في مشاريع البنية التحتية، لأن الكلفة باهظة، ولكن يمكن للمهندسين الاستفادة من التفكير الرشيق (Agile Thinking) عند التخطيط والتنفيذ وإدارة المشاريع.

هناك بالفعل مناهج "مرنة" مطبّقة في إدارة المشاريع يمكن للمهندسين تبنّيها لتطوير أساليب أكثر مرونة في إدارة المخاطر.

فعادةً ما تمرّ مشاريع البنية التحتية بثلاث مراحل حاسمة لاتخاذ قرارات "الاستمرار أو الإيقاف" (Go/No-Go):

دراسة الجدوى، التخطيط، التصميم.

لكن أثناء مرحلة التنفيذ، غالباً ما يُلتزم بالتصميم المعتمد مع تعديلات طفيفة فقط.

وفي عالم اليوم الذي تزداد فيه المخاطر المفاجئة، هل لا بد من إضافة مراحل أكثر لاتخاذ القرارات ومراجعة المخاطر؟

هل يمكن توقّع المخاطر التمويلية مسبقاً من خلال إعداد تصاميم بديلة مصغّرة بجانب التصاميم الأصلية؟

هل يمكن للمهندسين التشارك الفعلي مع المجتمعات وأصحاب المصلحة بدلاً من الاكتفاء بـ«كسب قبولهم» فقط؟

هذه التساؤلات تتطلّب تحولاً ذهنياً، بحيث تُستثمر المخاطر بدل تجنّبها، ويُصبح إشراك المستخدمين في مراحل التصميم القاعدة لا الاستثناء، ويُنظر إلى جميع الأطراف — من المموّلين إلى المجتمعات المحلية — كشركاء حقيقيين في صنع القرار.

تلعب الجامعات دوراً حاسماً في تشكيل العقول الهندسية الشابة. فالعقول الجديدة، غير المقيدة بعد بعُقد “الخوف من المخاطرة”، تملك طاقة إبداعية يمكن توجيهها نحو تبنّي مناهج أكثر مرونة في إدارة المخاطر.

تُخرّج الجامعات مهندسين أكفاء، لكن هناك مساحة كبيرة لتعزيز المرونة الذهنية في هذا المجال.

فالمهندس المعاصر مطالب اليوم باستثمار الفرص التي تولّدها المخاطر، لأنّ هذا العالم المتغيّر والغامض يتطلّب ذلك أكثر من أي وقت مضى.

تعليقات الزوار