En

من السياسة التقليدية إلى الخوارزميات .. أول وزيرة ذكاء اصطناعي في العالم

بقلم د. حسين المولى _ عضو مؤسسة غداً لإدارة المخاطر ومتخصص في المخاطر الرقمية

لا يخفى على الجميع أهمية أن يكون الذكاء الاصطناعي أحد أبرز مرتكزات قيام الدولة الحديثة، بعيدًا عن المفهوم السياسي والقانوني التقليدي، إذ بات يشكّل صورة من صور التطور والنجاح، بل إن الدول من دونه لا يمكن أن تصل أو تواكب أو حتى تنافس في ميادين التصنيفات الدولية المعتمدة، وهذا يعني أن هذا الرافد الجديد في العمل السياسي أو المكوّناتي للدولة ينبغي أن يكون موضع اهتمام في أي استراتيجية أو رؤية للحكومات، ولا سيما في العراق، خاصة ونحن مقبلون على استحقاق انتخابي برلماني مهم في ظروف إقليمية تدعو للقلق، الأمر الذي يجعل من الضروري أن تراعي الحكومة الجديدة هذا الجانب الأساس في عملها المستقبلي.

وما يلفت الانتباه ويستحق التوقف عنده ما قامت به حكومة ألبانيا، إذ أعلن رئيس الوزراء الألباني إدي راما تعيين أول وزيرة في العالم تعمل بالذكاء الاصطناعي. وقد أُطلق على الوزيرة اسم دييلا، ويعني وفقًا للترجمة “الشمس”، إن هذه الوزيرة الافتراضية تمثل انتقالة سياسية وعملية نحو الحكومة الذكية، أي أن يكون الذكاء الاصطناعي أساسًا في أي عمل تؤديه مؤسسات الدولة.

إن العمل النوعي الذي تقوم به دييلا لا يمثل عملًا سياسيًا أو خدميًا فحسب، بل هو رؤية جديدة لإدارة الأزمات العالمية ومكافحة الروتين والترهل الوظيفي في مؤسسات الدولة الحديثة، التي لا بد أن تواجه التحديات وتواكب التطورات، وبهذا المعنى، فإن دييلا ليست مجرد برنامج، بل هي بداية لتحوّل مفهوم القيادة من الإنسان إلى الخوارزمية.

وقد أُنيطت بدييلا، في ضوء الأحداث العالمية المتسارعة، مهمة معالجة آفة عالية الخطورة وذات اهتمام عالمي، ألا وهي الفساد، فهي مسؤولة عن الإشراف على المشتريات والمناقصات الحكومية، التي تُعد من أكثر المجالات عرضة للفساد واستغلال النفوذ الوظيفي، وبهذا فإن النظام الذكي سيكون خطوة ممهدة لأي تواصل أو تطور مستقبلي في العمل الحكومي.

كانت فكرة القيادة في العمل الحكومي -وما تزال للأسف- تتمثل سابقًا في الشخص الطبيعي، الذي يتخذ القرار بعد تحليله وصناعته، أما مع تطور تجربة دييلا فقد أصبحنا أمام مفهوم جديد للقيادة واتخاذ القرار، حيث لم يعد مقتصرًا على البشر فقط، بل يمكن أن يكون للذكاء الاصطناعي دور معزز ومساهم في إدارة مفصل مهم من مفاصل الدولة كالوزارة مثلًا.

ومع هذه الميزات التي يحملها استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل الحكومي، ولا سيما في منصب رفيع كمنصب وزيرة، تبرز تساؤلات قانونية ودستورية مهمة تستوجب اهتمام الأقلام البحثية القانونية، منها: هل تُسأل وزيرة افتراضية أمام البرلمان؟ ومن يتحمل المسؤولية عند وقوع خطأ إذا تبيّن أن النظام ارتكبه فعلًا؟

أمام هذا التحدي البحثي، لا بد من الإشارة إلى أن مكامن المسؤولية القانونية، سواء كانت إدارية أو مدنية أو جنائية، تبقى محكومة بمعايير ومحددات ونصوص قانونية لا يمكن تجاهلها أو التغافل عنها، فلا يكفي الاكتفاء بإيقاف النظام الذكي أو الصمت عند وقوع الخطأ الموجب للمسؤولية.

 إن فلسفة العلاقة الجدلية بين الإنسان والآلة تتنامى لتشكّل حقيقة رقمية جديدة تضاف إلى مجموعة المخاطر العالمية، ومن هنا لا بد أن يكون البشر قادرين على التكيّف ومواجهة أي خطر محدق، من خلال وضع استراتيجية واعية تقوم أولًا على قياس الخطر، ثم صياغة رؤية متكاملة للتعامل معه.

ونتيجة لذلك، يبرز سؤال محوري: ما الذي يمكن أن يصل إلينا في العراق، وخاصة في الحكومة القادمة وما يليها؟ هل سنشهد تولي الذكاء الاصطناعي مسؤولية إدارة ملفات أو هيئات أو منظمات أو مؤسسات وصولًا إلى الوزارات؟ وهل يمكن أن يشكل ذلك انتقالة جديدة في عالم السياسة وإدارة موارد الدولة التي تحتاج إلى تعظيم الإيرادات، خاصة في ظل أزمة عالمية متعددة الأبعاد؟ إن استثمار هذا التطور قد يكون ممكنًا في الرقابة الذكية على الصفقات الحكومية، أو في إدارة ملف النفط والغاز، أو حتى في الانتخابات لضمان النزاهة الانتخابية.

إذا كانت ألبانيا قد سبقت العالم بتعيين أول وزيرة ذكاء اصطناعي، فربما نشهد في المستقبل القريب وزارات كاملة تُدار بالخوارزميات، وعندها سيُعاد تعريف معنى الدولة والسياسة والقيادة، فهل نكون نحن جزءًا من هذا المستقبل، أم نظل متفرجين عليه؟

تعليقات الزوار