المخاطر الاستراتيجية لمعاهدة "سلام" في الحرب الكورية
أبدى صانعو السياسات في الولايات المتحدة وقادة كوريا الجنوبية (جمهورية كوريا – ROK) مؤخراً انفتاحًا متزايدًا على استبدال اتفاقية الهدنة الموقعة قبل 72 عامًا بمعاهدة سلام متفاوض عليها تنهي الحرب الكورية رسمياً. غير أن هذا الهدف يثير تساؤلات استراتيجية: هل سيسهم السلام في تعزيز الاستقرار، أم أنه سيولد عدم استقرار ومخاطر استراتيجية على المصالح الأمريكية والنظام الإقليمي؟
صحيح أن الهدن توقف القتال وأن المعاهدات تنهي النزاع رسمياً، لكن التاريخ يشير إلى أن التسويات المتسرعة قد تولد عدم استقرار في منطقة ما. ومن هنا تكمن المعضلة في كيفية ضمان أن لا تؤدي حملة السلام الأمريكية المقبلة إلى تكرار أخطاء انسحابات عسكرية سابقة فتحت المجال أمام العدوان وأعادت تشكيل موازين القوى الإقليمية بشكل مضر بأمريكا وحلفائها.
ثمن السلام: مخاطر الردع وتأجيل نزع السلاح النووي
أوقفت اتفاقية هدنة 1953 القتال بعد ثلاث سنوات من الحرب، لكنها أبقت شرق آسيا في حالة عداء معلقة، حيث واجهت كوريا الشمالية المدعومة من الشيوعيين كوريا الجنوبية المدعومة أمريكياً على جانبي خط الترسيم العسكري. خلال هذه الفترة، حافظت الولايات المتحدة على الاستقرار عبر ضمانات أمنية واسعة ووجود عسكري مباشر يشكل "صاعقًا" لأي تدخل أمريكي واسع إذا اندلع صراع.
لكن السلام قد يحمل معه خطر تقليص الوجود العسكري الأجنبي، ما يضعف الردع ويفتح المجال للانتكاسات ما لم تُبنَ قدرة دفاعية قوية ومستقلة للحلفاء. فالتبعات الثانوية للسلام تشمل: تطبيع العلاقات الأمريكية – الكورية الشمالية، تراجع مبررات الوجود العسكري الأجنبي في شبه الجزيرة، خسارة قواعد الأمم المتحدة الخلفية في اليابان، وتزايد الشكوك حول مصداقية وقدرة الولايات المتحدة على التدخل مستقبلاً في نزاع كوري مكلف.
هذا كله قد يُفسَّر من قبل الحلفاء والمنافسين كإشارة إلى انسحاب أمريكي، ما يزيد من احتمالات ابتزاز كوريا الشمالية، أو خرق الاتفاق، أو تبني استراتيجيات إقليمية توسعية.
كما أن إدخال ملفات شائكة مثل نزع السلاح النووي أو إعادة التوحيد يجعل المفاوضات معقدة. قد يفرض النجاح التخلي عن سياسات أمريكية راسخة عرقلت مفاوضات سابقة. وقد ظهرت إشارات إلى ذلك حين وصف مسؤولون في إدارة ترامب كوريا الشمالية بأنها "قوة نووية" في 2024 و2025، فيما تشير تقارير إلى أن زيارة كيم جونغ أون للصين في أيلول/سبتمبر 2025 تضمنت شرطاً مسبقاً لإسقاط مطلب نزع السلاح النووي، ما يعكس دعم بكين لمفاوضات سلام جذرية.
لكن تأجيل هذا الملف لما بعد الاتفاق سيُبقي الترسانة النووية الكورية الشمالية كما هي، مما يفاقم المخاطر الأمنية في كوريا الجنوبية واليابان.
تحذيرات التاريخ
التاريخ يزخر بدروس حول مخاطر الانسحابات المبكرة والاتفاقات الهشة. فقبل اندلاع الحرب الكورية عام 1950، قلّصت واشنطن وجودها في شبه الجزيرة للتركيز على أوروبا، وسحبت قواتها من كوريا الجنوبية بحلول أواخر 1949، مما شجع الشمال، المدعوم من الصين والاتحاد السوفيتي، على الغزو الذي كاد يطيح بالجنوب لولا التدخل الأمريكي الكثيف.
وفي فيتنام، أدى "اتفاق باريس للسلام" 1973 إلى انسحاب أمريكي سريع، تاركاً الجنوب ضعيفاً أمام الشمال الشيوعي الذي خرق الاتفاق وسيطر على البلاد في 1975.
تشير هذه السوابق إلى أن السلام الهش والانسحاب المتسرع يعززان العدوان ويقوضان الحلفاء. ومعاهدة سلام كورية تؤدي إلى حل قيادة الأمم المتحدة، وخفض القوات الأمريكية، ونقل السيطرة العملياتية للجنوب قد تتركه عرضة لتهديدات الدول الشيوعية. ورغم تفوق كوريا الجنوبية التقليدي، إلا أنها تعاني من فجوة نووية وضغوط ديموغرافية واقتصادية تعرقل تحديث جيشها، مما يثير الشكوك حول قدرتها على سد فجوة الردع دون واشنطن.
الرأي المقابل: الاستفادة من الحلفاء الإقليميين
رغم ذلك، ثمة سوابق ناجحة. فعقب انسحاب ترامب من سوريا 2019، تولت تركيا سريعاً المهام الأمنية بنشر 20 ألف جندي في الشمال السوري، مانعة فراغاً استراتيجياً قد تستغله إيران أو روسيا.
تطبيق هذا الدرس في شبه الجزيرة الكورية يتطلب انسحاباً أمريكياً مدروساً، وليس سريعاً بما يشجع العدوان، ولا بطيئاً بما يعزز اعتماد الحلفاء الزائد.
ويبقى السؤال: هل تستطيع كوريا الجنوبية واليابان توسيع أدوارهما الأمنية والتعاون رغم الخلافات التاريخية والاقتصادية؟
المخاطر الإقليمية
ستعيد معاهدة سلام تشكيل تحالفات شمال شرق آسيا. فقد يدفع فقدان واشنطن وأصول الأمم المتحدة كوريا الجنوبية للارتماء جزئياً في أحضان بكين، فيما قد تسرع اليابان في إعادة التسلح لمواجهة مخاطر الانسحاب الأمريكي والصعود الصيني. وهذا يعمّق الانقسامات التاريخية بدل أن يعزز التعاون.
الصين قد تستغل هذه الشقوق لجر الكوريتين إلى مجال نفوذها، إضعاف الحضور الأمريكي، وعزل اليابان.
الأولويات السياسية
تحتاج الولايات المتحدة إلى إدارة دقيقة لمرحلة ما بعد السلام لتجنب أخطاء الماضي: انسحاب سريع يفتح الباب أمام منافسين، أو انسحاب بطيء يعزز التبعية ويعرقل أولويات واشنطن في ردع الصين.
ينبغي ربط القدرات الأمريكية المتقدمة (الضربات بعيدة المدى، الذكاء الاصطناعي، القدرات اللوجستية) بزيادة إنفاق الحلفاء وتقاسم الأعباء. كما يجب تمكين اليابان كعامل استقرار إقليمي، وتعزيز التعاون الثلاثي (واشنطن – سيول – طوكيو).
وفي الوقت ذاته، قد يكون الانخراط المحدود مع بيونغ يانغ خيارًا لتقليص نفوذ الصين، شرط عدم تقويض التحالفات القائمة.
عامل ترامب
معاهدة سلام كورية ستكون حدثاً تاريخياً ينهي أطول حروب أمريكا ويعيد تشكيل أمن شرق آسيا. لكن ترامب أظهر ميلاً لاتخاذ قرارات استراتيجية غير تقليدية، سواء في لقاءاته المتكررة مع كيم جونغ أون، أو انسحابه من سوريا، أو محاولته الدفع نحو اتفاق سلام في أوكرانيا رغم المخاطر على الأمن الأوروبي.
قد تكون تجربة أوكرانيا نموذجًا لمقاربة السلام الكوري، بما توفره من دروس حول توازن السرعة والحذر.
الخلاصة
السلام لا يعني بالضرورة الاستقرار. فنجاح معاهدة سلام كورية يتطلب موازنة الانسحاب الأمريكي مع تعزيز الردع الإقليمي، عبر تقنيات متقدمة وحلفاء مستعدين لتقاسم العبء الأمني. بدون ردع قوي، قد يتحول الاتفاق إلى مقدمة لفوضى جديدة في شمال شرق آسيا، يستفيد منها الصعود الصيني والكوري الشمالي.
غلين سكوفيلد - محلل متقاعد من القوات الجوية الأمريكية
تعليقات الزوار