في ظل التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة، تواصل المملكة العربية السعودية تعزيز موقعها كلاعب رئيسي في هذا القطاع، مدفوعة برؤية 2030. وتعتبر مشاريع طاقة الرياح من أبرز محاور هذا التحول، حيث يشهد السوق السعودي إقبالاً متزايداً من المستثمرين الدوليين، لا سيما مع إطلاق المشروع الضخم "R6" لإنتاج 1500 ميغاواط من طاقة الرياح ضمن الجولة السادسة من مناقصات الطاقة المتجددة.
لكن رغم الفرص الكبيرة التي يوفرها المشروع، فإن عدداً من المخاطر القانونية والتنظيمية تفرض تحديات خاصة أمام الشركات الأجنبية، وخصوصاً الصينية منها، كما ورد في تقرير تحليلي أعدّه خبراء من مكتب "جونغ لون" القانوني في بكين.
نموذج العمل والمسؤوليات القانونية
يُطوّر المشروع ضمن نموذج المنتج المستقل للطاقة (IPP)، ما يتطلب من المستثمر الفائز تأسيس شركة محلية مملوكة بالكامل، إمّا كشركة مساهمة مغلقة أو ذات مسؤولية محدودة.
ويعتمد المشروع على صيغة "البناء، التملك، التشغيل" (BOO)، حيث تشمل المسؤوليات الكاملة للمستثمر عمليات التطوير والتصميم والحصول على التصاريح، إضافة إلى الإنشاء والتشغيل وإيقاف التشغيل في نهاية العمر الافتراضي. وتشمل هذه المسؤوليات أيضاً بناء المحطات الفرعية، وربط الشبكة، وبيع الطاقة المنتجة.
لكن هذا النموذج يفرض على المستثمر البقاء في بيئة تنظيمية وقانونية معقدة لفترات طويلة، مما يزيد من مخاطر التقلبات السياسية والقانونية. ويشير التقرير إلى أن أي سوء فهم أو تأويل خاطئ للقوانين السعودية قد يؤدي إلى عقوبات إدارية أو تأخيرات تشغيلية.
عقود الهندسة والتوريد والإنشاء (EPC) وضمانات التنفيذ
تتضمن وثائق المناقصة بنودًا تفصيلية حول عقود EPC، مع توصية للمستثمرين بضرورة التدقيق في الجوانب التجارية ومسؤوليات التنفيذ. كما يجب الانتباه إلى العلاقة التعاقدية بين اتفاقية شراء الطاقة (PPA) وعقود EPC والاتفاقيات الأخرى، خاصة فيما يتعلق بتحويل المسؤوليات القانونية.
وبحسب القوانين السعودية، فإن الشركات الأجنبية العاملة في إدارة المشاريع أو التصميم الهندسي أو عقود EPC مطالبة بوجود شركاء سعوديين يمتلكون ما لا يقل عن 25% من رأس المال، ما يمثل تحدياً كبيراً أمام الشركات الصينية الساعية للعمل منفردة.
متطلبات التوطين الصارمة
يُلزم مشروع R6 المستثمرين بتحقيق نسبة محتوى محلي لا تقل عن 15% في مرحلة الإنشاء، لترتفع إلى 50% خلال أول خمس سنوات من التشغيل، وتصل لاحقاً إلى 70%. كما يُطلب من الشركات استخدام السلع المصنعة في السعودية وفق قائمة إلزامية، مع إمكانية تقديم استثناءات محدودة.
وفوق ذلك، تفرض السعودية نسبًا دنيا لتوظيف المواطنين السعوديين تختلف حسب حجم المشروع ونشاط الشركة، وهو ما يُعد من أبرز التحديات التنظيمية في مراحل التشغيل والإدارة.
الأطر القانونية والاختصاص القضائي
تخضع بعض عقود المشروع مثل اتفاقيات التطوير وربط الشبكة للقانون السعودي، بينما تخضع اتفاقية شراء الطاقة لقوانين إنكلترا وويلز، مع اعتماد التحكيم كمكان لحل النزاعات عبر "المركز السعودي للتحكيم التجاري".
ويعتمد النظام القانوني السعودي على الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي، إضافة إلى الأوامر الملكية وقرارات مجلس الوزراء والوزارات. ويتميز هذا النظام بمرونة في التفسير القضائي، ومحدودية الشفافية مقارنة بالقوانين الغربية، مما يتطلب استعداداً قانونياً دقيقاً.
وقد شهدت السعودية مؤخراً إدخال قوانين حديثة مثل قانون المعاملات المدنية وقانون الشركات، والتي تهدف إلى تنظيم الاستثمار الأجنبي بشكل أكثر انضباطاً.
الرسالة الأساسية: فرصة استراتيجية بمخاطر مركبة
تمثل مناقصات الطاقة المتجددة في السعودية فرصة استراتيجية للشركات الصينية للدخول في أكبر أسواق الطاقة النظيفة في الشرق الأوسط، لكن هذه الفرصة تأتي محفوفة بتحديات معقدة تتطلب استعدادًا قانونيًا وتنظيميًا عالي المستوى.
وينصح التقرير الشركات الصينية بتحليل دقيق لوثائق المناقصة، ووضع خطط تنفيذ واضحة، وبناء فهم متعمق للبيئة القانونية في المملكة. كما أن احترام القوانين المحلية والالتزام بمتطلبات التوطين يعزز من فرص النجاح والاستدامة في السوق السعودي.
تعليقات الزوار